محاكم الرق في موريتانيا..بين محورية الدور وضعف الأداء

قبل ما يربو على ثمان سنوات من الآن كان المتشتغلون في مجال الحقوق والدفاع عن شريحة "لحراطين" على موعد مع حدث "هام" اعتُبر حينها محاولة جادة وغير مسبوقة من الدولة الموريتانية في مجال محاربة ظاهرة الاسترقاق ومخلفاته والمضي قدما في سبيل استئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها..

لم يكن هذا الحدث سوى ذلك القرار الذي اتخذته الحكومة الموريتانية أنذاك بتاريخ 10 سبتمر 2015 والمتعلق بإنشاء ثلاث محاكم خاصة بجرائم الرقّ تعنى بالبتِّ في القضايا المتعلقة بالظاهرة ومحاسبة المتهمين فيها وهو القرار الذي لاقى ترحيبا واسعا حينها من طرف المهتمين بالحقل الحقوقي في البلاد دون أن يسلم من بعض التحفظ ووضع علامات الاستفهام بشأنه.

.فما أبرز ملامح ملامح هذا القرار ؟وكيف ينظرُ المختصون وأصحاب الشأن في البلاد إلى أدوار هذه المحاكم ومدى فاعليتها بعد مرور ما يزيد على سبع سنوات من إنشائها؟

 

يحدد المرسوم 2016_002 مجال ودائرة الاختصاص الترابي "للمحاكم الجنائية المتخصص في مجال محاربة العبودية" وذلك تطبيقا  للمادة 20 من القانون رقم 2015.031 الصادر بتاريخ 10 سبتمر 2015 الذي يجرم العبودية ويعاقب الممارسات الاستعبادية.

ووفق المرسوم فتتوزع هذه المحاكم الثلاث حسب المجال الترابي إلى محكمة جنائية جنوبية مقرها في نواكشوط الجنوبية، وتتبع لها ولايات لبراكنة وكوركل واترارزة وتكانت وانشيري وولايات نواكشوط الثلاث . بالإضافة إلى محكمة جنائية شمالية مقرها في نواذيبو وتختص في القضايا التي تثار في ولايات آدرار وداخلت انواذيبو وتيرس الزمور، ومحكمة جنائية شرقية مقرها في النعمة أقصى الشرق الموريتاني وتضم ولايات الحوض الشرقي والحوض الغربي ولعصابة وكيديماغا.

وقبل أشهر قليلة من صدور قرار إنشاء هذه المحاكم أقرت الحكومة الموريتانية قانونا يجرم الاسترقاق، ويقع القانون في 26 مادة تنص المادة الثانية منه على أن الاستعباد "يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، وتحدد المادة الثالثة مختلف الحالات التي يمكن أن يطلق عليها استعباد".
كما وينص القانون على  إلزام القاضي المتعهد بجريمة تتعلق بالعبودية بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض هذا بالإضافة إلى تنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية دون الالتفات إلى الاستئناف أو المعارضة،حسب القانون. 

وبحسب تقارير صحفية فقد أتى أول حكم قضائي تصدره محكمة متخصصة في قضايا العبودية بالسجن لمدّة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها مليون أوقية موريتانية (نحو 2500 دولار أميركي) بحقّ متّهمَين اثنَين استعبدا أسرتَين من شريحة "الحراطين" في مدينة النعمة.

.

لكن أداء  هذه المحاكم وبعد مرور سبع سنوات من تأسيسها  لم يرق للكثير من المشتغلين بالمجال على ما يبدو ولم يلبّي الطموحات والآمال التي علقوا عليها حين نشأتها فبدت "عديمة الفائدة والفاعلية" وفق بعضهم ولم تلعب أيا من  الأدوار المنوطة بها ما جعل بعضهم يطالب بإلغائها وإسناد مهامها إلى محاكم الجنايات العادية

حيث يرى المحامي اباه امبارك ارشيد_وهو محامي معتمد لدى المحاكم الموريتانية وعضو بالمكتب التنفيذي لمنظمة نجدة العبيد_ يرى أهذه المحاكم "لم تلعب أي دور في استئصال الظاهر لكونها خلقت  تعقيدا في الإجراءات نظرا خاصة فيما يتعلق بالاختصاص الترابي لها و للنيابات التابعة لها، وهو ما أضر بسير الدعاوي وأطال أمدها، نظرا لبعد مقرات المحاكم عن طرفي النزاع الفعليين الشاكي و المشكو منه".
و بالتالي يضيف ولد امبارك "فإننا نرى ضرورة التخلي عن هذه المحاكم و الرجوع إلى إسناد مهامها إلى محاكم الجنايات العادية"

ويرى ولد امبارك ارشيد أن أهم التحديات التي تقف أمام معاقبة المتهمين بالاسترقاق هي "  انعدام إرادة سياسية تستهدف استئصال العبودية""
"فلا بد من وجود إرادة سياسية قادرة على مواجهة القوى الظلامية في المجتمع من أجل استئصال العبودية  و لن يكون ذلك إلا باتخاذ الأوامر المناسبة الهادفة إلى  التطبيق الفعال لترتيبات القانون المجرم للممارسات الاسترقاقية من طرف جميع الجهات المكلفة بإنفاذ القانون"

"

أما الناشط والباحث في مجال القانون الجنائي يعقوب سلام فيرى أن استحداث هذه المحاكم بالأساس "يعكس إرادة جادة في مجال محاربة العبودية، و جاء أيضا تلبية لمطالب المنظمات الحقوقية الناشطة في المجال".
وعن فاعلية هذه المحاكم يشير ولد سلام إلى "أنها أدانت  عدة أشخاص تم التثبت من التهم الموجهة إليهم، وقاموا بتعويض الضحايا".
ويضيف ولد سلام في حديثه معنا "لكن ما يؤخذ على هذه المحاكم هو بطء الاجراءات، التي قد تستمر لسنوات، وكذلك عدم تكييف الوقائع التي تعتبر جرائم استعباد -على الرغم من أن القانون رقم 015-31  قد حصر جميع الأفعال التي تعتبر جرائم استرقاق".

 

وهكذا تتسع رقعة الجدل بين المختصين والمهتمين حول هذه المحاكم بين مقلّل من شأنها وأدوارها كونها خلقت تعقيدا في الإجراءات ولم تعد لها أي فائدة فضلا عن كون "القانون غير مطبق أصلا" وبين من يرى بأهمّيتها ويشيد بإدانتها لبعض الأشخاص مع بعض التحفظ على الإجراءات المتعلقة بها.

..

ويعود تاريخ الجدل حول الرق في موريتانيا إلى السنوات الأولى لاستقلال البلاد ومع الوقت أقرت الحكومات المتعاقبة قوانين  تجرم العبودية ما جعل هذه الحكومات بعد ذلك ترفض أحاديث ناشطين موريتانيين عن وجود مظاهر لحالات رق في البلاد مع إقرارها بوجود مخلفات للرق، واختارت عام 2015 يوم 6 مارس للاحتفال بيوم وطني سنوي لمحاربته

 

الطالب النافع افاه // تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا