نحو الاشتباك..عندما يسبق الفعلُ الاسم/ اشريف محمد يحي

     رغم سِتار التحفّظ السياسيِّ ومُعلَن الرواية الرسمية.. احتفت الساحةُ الفلسطينية وتفاعَلَ الشارعُ العربي ابتهاجًاً وترحيبًا بعملية العُوجا التي برزَ فيها فِعلُ الضّابط المصري المُشتبِك؛ حتى طغى على اسمه وغطى على استتار تفاصيل أحداث قصة اشتباكه "الملحمية" بادئ الحَدَث..    
     قصةٌ في غمرَة احتفائها  لا يُبالي الفلسطينيُّ والعَربيُّ على أيِّ خَدِّ كانَت صفعةُ الاحتلال ولا أيّ رياح قَدَرٍ ساقت سانحةَ الخبر السّارّ؛ فسؤالُ الكَيْف يَنسَخُه جَوابُ الوُقوع، وخريطةُ وَجْه العدُوِّ ساحَةُ استهدافٍ مفتوحَةٌ ومِساحةُ إيلامٍ مشروعة؛ لا يَنقُصُ مِن فرحة احتفائها غيابُ تفاصيل التخطيط ولا يحجبها غموضُ بيانات الحَدَث الميدانيّ، ولا ما بَيْنَ ذلكَ من إحداثيّات وخُيوط..بل حَسْبُ المواطن العربيِّ والحُرِّ الفلسطيني - مِن الخَبَر - أنّ ضابِطَ أمنٍ مصريًّا اخترقَ ببندقيّته العتيقة الحدودَ الجغرافيةَ وأردى ثلاثةَ جنود صهاينة وجَرح رابعًا ثم ارتقى شهيدًا .. هكذا بكل "بَساطة عميقة"!
○ثنائية التزامن والتناسُخ:
..قفَى اشتباكُ العوجة عمليةَ حرميش التي تزامنَت صفعتُها مع تبدد "لكمة" الاحتلال التي أرادَها "قاضية" قبل أن يقطع برنامجَ مناورتِها العسكرية الاستعراضيةِ فاصلُ فدائية عاصِفٌ انجلى دخانُه عن مصرع مستوطنٍ على باب مُغتصبة حرميش بمحافظة طولكرم في الضفة الغربية المحتلة.. وبالتوازي جاء الاشتباكُ الفَردي بعد حالة فِعلٍ ترجمَتها حركةُ الجهاد الإسلامي بتسمية "وحدة الساحات" التي أطلقَتها على عملية تصديها للعدوان الأخير على غزّة، قبل أن توسِّعَها - عمَليا - المقاوَمةُ الخارجيةُ؛ مِن خلال فتح جبهتي الجولان وجنوبيِّ لبنان؛ لِيَكتبَ الضابطُ المصريُّ المشتبِكُ فصلًا آخرَ من فصول معركة "الساحات المتّحدة" و "الجبهات المتعدِّدة" في نسخة العمل الفردي - هذه المرة!
  على أنّ اختلافَ شكل التنفيذ - في اشتباك العوجة - أضاف إلى التزامنية عنصرَ التناسُخية؛ ذلك بأنه يَنظُر إلى عمليتَي إطلاق نار حدوديتَين مُشابهتَيْن هما: عملية رأس برقة التي نفّذها الجنديّ المصريّ سليمان خاطر لمّا أطلق النار على سياح إسرائيليِّين عند نقطة حراسته بمنطقة نويبع - مِن محافظة جنوب سيناء - فقَتل سبعة وأصابَ آخَرِين بجروح، في 5 أكتوبر/ تشرين الأوّل1985م.
أمّا ثانية العمليّتين فإنّها عملية رأس النقب التي نفّذها شرطي حرس الحدود المصريّ أيمن حسن، فقَتل واحدًا وعشرين "إسرائيليا" وأصاب آخَرين منهم ضباطٌ في مطار النقب العسكريّ، بتأريخ: 26 تشرين الثاني/ نفمبر 1990م.. ليكون الفرق بين عملية الجنديّ محمد صلاح وابنَي جنسيته و"جُنديته" أيمن حسن وسليمان خاطر أنّ بطلَ عملية العوجة قَضى نحبَه في ساحة الشّرف، وسَلَّم الاحتلالُ جثمانَه للسلطات المصرية ليُوارى الثرى؛ لا ليحالَ - حَيًّا - إلى قفص المحاكمة ويودعَ جوفَ زنزانة السجن - كما فُعِلَ بأخوَيْه من قَبْل!
○مِن تبادُلية الألم إلى نوعية الإثخان:
   ..لم تكن عملية العوجة لِتنزل بردًا وسلامًا على أفراد كتيبة الفهد المختلطة التابعة لـجيش الاحتلال الإسرائيليّ؛ فتوقيتُها ونوعيتُها ومَصدرُها كل أولئك ضاعفَ مِن وقعِها وزاد في صدمتها وأصاب جهازَ توقّع المستويين السياسي والعسكري "الإسرائيلي" في مقتل؛ فوَقع الصدمة في دوائر دولة الاحتلال لا يُقاس - فقط - بعدّاد الأرقام؛ بل يُحسب - أيضًا - بنوعية الإثخان، وكذلك حسابُ التألّم والخسارة الميدانية.. ومن هنا كان في معطيات الفجيعة والصَّدمة "فارقُ توقيت" يتجاوز معطَيات الحساب العاديّ.. بينما سجّل العدوُّ الصهيونيُّ  تفرّدًا معلومًا وحصريّة متقدِّمةً في مجالَي الحِرص على الحياة، ومضاعَفةِ دروع التحصين!!
       ولا يَذهبَنَّ عن القارئ أن "محمد صلاح" - هذا الاسم المصري الذي قفزَ بغتةً من ملاعب كرة القدم إلى سُوح المواجَهة الفدائية - لم يستغرق في اجتياز السياج الحدودي بين مصرَ وفلسطينَ المحتلة للإيقاع بجنود الاحتلال.. سوى بِضعِ ساعات؛ فكانَ في حدِّ بندقيته الحَدُّ بين ارتهانيّةِ التطبيع وفدائيّةِ المقاوَمة!