إلى الثلاثة الذين.. ألا يستحق الوطن اعتذارا!../بقلم: محمد عبد الله لحبيب

إلى الثلاثة الذين.. ألا يستحق الوطن اعتذارا!

1. بعد بيان النيابة أمس، وانقضاء اللغط بشأن السبب الحقيقي لوفاة المرحوم عمر  فعل أهله خيرا حين استسلموا للحجة الدامغة، وعرفوا أن من حق ولدهم عليهم أن يصلى عليه ويدفن، وتستقبل التعازي فيه. رحمه الله وأحسن عزاءهم فيه. 

2.   تدل هذه القضيةً على أن الخفة والنزق والإسراع في الاتهام، وإطلاق التصريحات الإعلامية من غير روية، ولا تثبت تصيب السياسيين والحقوقيين في مقتل، لأنها تضرب مصداقيتهم في مقتل. وأن التسرع، مع نقاء الدوافع، وقداسة القضية التي يدافع عنها، مضر بالقضية مضر بالشخصية، ولكنه قد يكون مضرا بالوطن، وهذا غاية القباحة، وغاية السوء. أما إذا كان مع سوء نية وطوية، فهو مندرج بجدارة، ووضاعة في الخيانة العظمى.

3. الكلمة الخطرة يلقيها الواحد منا اليوم يمكن أن تسهم في إيقاد فتنة كبيرة، ويمكن أن يستخدمها آخرون، عن طيب نية، أو عن خبثها، خاصة إذا كان في موقع مسؤولية، أو مظنة اطلاع. 

4. لنتذكر الأيام الفارطة التي تعالت فيها صيحات الثأر للمرحوم عمر، والاقتصاص من الجناة، وكيف عشنا؟ وما هي القصص التي شغلت مجالسنا؟ حديث عن حرق محلات تجارية، عن ترحيل أجانب، استعادة بعض الذكريات الأليمة من شروخنا الوطنية!! أليس هذا في غاية الإيلام؟! 

5. هل تذكرون حديث الموت القادم من بوغي، وكيف أعاد إلى الأذهان الأحاديث المؤلمة عن مواطن عزيز فقدناه، أو خطأ ارتكبه أحد أبناء هذا الوطن. 

6. أستطيع أن أحلف إنه لا أحد من أبناء هذا الوطن يرتدي بزة عسكرية، أو لباسا مدنيا من أي نوع يخرج من بيته صباحا، وهو يستحضر أنه سيعود وقد خدش سيارة أحد مواطني هذا البلد، أو أساء إليه بلفظ، أما أن يكون قد باء بدمه فتلك بعيدة بعيدة.. فكيف نسارع إلى الاتهام بالقتل، ونوزع الاتهام على نطاق واسع، بل نجعلها اتهامات، ونجعلها نهجا، ونجعلها نية مبيتة؟!

7. يعنيني من بين كل الذين ولغوا في ميلغ الاتهام، وتداولوا ذلك الكلام التحريضي، ثلاثة أصدقاء لماض اشتركته معهم، ولمعرفتي أن دوافعهم، بحسب ما أعرف، يغلب عليها حب الوطن، وما يرونه نصرة للمظلوم، زميلاي محمد الأمين ولد سيدي مولود، وأحمدو ولد الوديعة، والصديق العيد ولد محمدن، صار اثنان من الثلاثة يمثلانني في البرلمان رغما عني، ولهم أوجه الكلام في النقاط التالية.

8. أما شعرتم وأنتم تدلون بذلك الكلام أن عليكم التدارك قليلا، والمطالبة قليلا بانتظار التحقيقات، وأن على الجماهير أن تفصل بين المطالبة بالتحقيق العادل، وبين المطالبة بالانتقام... أما ظننتم أن الجماهير مدينة لكم بأن تعرفوها خصمها الذي عليها أن تطالب بالانتقام والقصاص منه؟

9. لقد وقفتم جميعا وقفة المحامي، وتشبثتم بما رأيتموه حقا لموكلكم (وكلت الأسرة واحدا منكم)، وهذا من حقكم. لكن ألم تنتبهوا إلى تفصيل واضح، وكبير بين موقف المحامي، وهو يحاول درء العقوبة عن موكله، وبين موقفه وهو يحاول إدانة آخر ؛ الأصل أيضا براءته!!؟ أما تذكرتم أنه حتى لو ثبت جرم فلان أو علان من الناس فإن تحويل جناية فردية إلى قضية رأي عام قد يخرجها عن السيطرة، وساعتها ستضيع حقوق الجميع، وأولاهم حقا بالحفاظ عليه، هو الوطن؟!!

10. أظن والله تعالى أعلم أنكم مدينون للوطن باعتذار، وأنكم مدينون للحقيقة باعتذار، وأنكم مدينون لأسرة الراحل بكثير من الاعتذارات عما سببتم من نبش في خلفيات المرحوم، ولما اضطررتم القضاء إليه من إعلان لتلك المخبوءات على الرأي العام. لقد أسأتم إلى هذه الأسرة، وإلى الوطن، وإلى القضاء، من حيث أردتم ما أردتم، والله حسيبكم فيما أردتم، ونحن شهود الله في أرضه. أراهن أنكم لن تعتذروا.. وأتمنى لو لم أكسب هذا الرهان. 

بالمناسبة أسرة المرحوم أيضا محمد الأمين تتحملون تجاهها دينا ما، أرجو أن توفقوا في سداده، لأنه دين مر ودام، وحزين.. أووه أصدقائي لقد تحملتم الكثير.

وبالمناسبة أيضا كان المرحوم يستحق أن نحضر جنازته..

11. لا أحملكم وزر كل اللغط الذي وقع، ولا كل الدم الذي سال، ولا كل السكينة التي تخرقت، ولا كل الأموال التي احترقت، ولا كل الفرص التي ضاعت، فلكم شركاء كثر في الوطن وخارجه، مع الأسف، آخذ لهم العذر لأنهم منهزمون في معارك أخرى ويبحثون عن تعويض ما.

ولكني أربأ بكم أنتم الثلاثة عن أن تقودكم الجماهير، والشعوبية إلى درك وحل الدماء، وإلى مستنقعات التحريض، وإلى منابر الفتن، فتلك مواطن براقة كثيرة، لكنها قليلة العائد على القضايا العادلة، وخيمة الوبل على الأوطان.. فتأملوا.

أنا أيضا أطالبكم باعتذار.