الفارس الحكيم مولاي ولد إبراهيم: سيرة غير رسمية../بقلم: إبراهيم الدويري

صورة المرحوم مولاي إبراهيم

الفارس الحكيم مولاي  ولد إبراهيم: سيرة غير رسمية 

في نهاية التسعينات من القرن الميلادي الماضي وبداية القرن الجديد كان كثير من رجال موريتانيا وشيوخ قبائلها وأطر ولاياتها يتبارون في تقديم الولاء الأعمى للرئيس معاوية ولد الطائع، ويتنافسون في جعله صنما خالدا، ويتسابقون على مبايعته ملكا مطلقا لموريتانيا، كما كان ثلة من الشباب الأخيار يعضون النواجذ على جمر المبادئ، ويحفرون في الصخور الصماء بحثا عن ماء الحرية الزلال، ومن تلك الثلة كان شاب تبدو على وجهه سيماء النعمة، وعلى تصرفاته طمأنينة المتوكلين إذ لا ينفك مبتسما أبدا اسمه مولاي ولد إبراهيم. 

كانت دروب الرخاء مشرعة أمام الأستاذ مولاي ولد إبراهيم ولد الطالب دحمان المولود في ضواحي مقطع لحجار  عام 1394هـ - 1975م ، وكانت الخيارات في وجهه متعددة  للعيش الهنيء الوادع في أكناف أسرة  ماجدة جمعت بين النفوذ الروحي والثراء المالي أسرة أهل الطالب دحمان القادرية طريقة من جهة الشيخ محمد عينين ولد الطالب دحمان (ت 1392هـ) الآخذ عن الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل التندغي (ت: 1366هـ) إلى آخر السند  المتصل بشيخ الشيوخ الشيخ سيدي المختار الكنتي (ت1226هـ) مرورا بآل القاضي الكرام.

 لكن الأنفس العصامية المصوغة من سجايا علو الهمة والتسامي إلى معالي الأمور لا ترضى بالموروث فقط بل تبني كما بنى أوائلها وتفعل مثل فعلهم وتضيف لمجدهم موارد أخرى ترفد مجدهم بتضحيات جسام ومآثر خالدة ترحل أجساد أصحابها ويبقى ذكرهم خالدا في العالمين، وقد كان مولاي ولد إبراهيم من أولئك الأفذاذ السائرين في المجد العصامي على مذهب عامر بن الطفيل العامري المتنكبين طريق بشامة بن الغدير الراضي بالسؤدد الموروث الذي أتاه "طائعا غير متعب".

والمجد الذي نتحدث عنه ونومئ إليه لن تراه في السيرة الذاتية المكتوبة لأن صاحبه ضنين به، يخاف عليه من هواجس الرياء ونوازع الادعاء لكنه مبثوث في "شهادات المبرزين" وفي "وقائع الفرسان"، وفي كسب العمل الإسلامي وابتلاءاته والتسامي على آفاته، مع أن سيرة مولاي ولد إبراهيم الرسمية ثرية جامعة بين الدارسة الأكاديمية والعمل السياسي والنيابي والإدارة الإعلامية والعمل الحر الذي طالما آثره الأحرار على غيره.

 فقد أكمل فقيدنا المأسوف عليه دراسته الابتدائية عام 1986، ونال شهادة الباكالوريا عام 1992، وتخرج من  كلية القانون بالجامعة في شعبة الإدارة  سنة 2000، وأدار مؤسسة للمقاولات بين عامي 2000- 2005 ، ثم انتخب نائبا  في الجمعية الوطنية عن دائرة مكطع لحجار بين عامي 2006-2013م، وأدار بعد ذلك قناة المرابطون بين عامي 2014-2019، ثم تاقت نفسه للعمل الحر فكان مديرا عاما لمؤسسة خصوصية لتنفيذ الأشغال بين عامي 2021-2022، ثم قدمه إخوانه في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" لعضوية اللجنة المستقلة للانتخابات، وطالما قدموه لصعاب الأمور وجسامها فما نكص وما خيَّب ظنونهم.

تلك هي السيرة الرسمية لمولاي ولد إبراهيم الذي التحق بالعمل الإسلامي مبكرا غارسا في كل مكان حل به ثمرة يانعة آتت أكلها بصمت في العمل الطلابي والشبابي والسياسي والنضال الناعم والخشن، مرتقيا إلى الله يسمو صعدا في مقامات الباذلين نحسبه كذلك، وثمة سيرة أخرى غير رسمية تحدث عنها الإعلام الموريتاني في عام 2004، وذكر جوانب منها قادة تنظيم فرسان التغيير في شهاداتهم عن الأيام العصيبة التي عقبت فشل المحاولة الانقلابية عام 2003. 

حين فشل الانقلاب وظهر الرئيس معاوية ولد الطائع بدأت المسيرات المجددة للتأييد والولاء له في مختلف مناطق موريتانيا، كما بدأت الأجهزة الأمنية تلاحق قادة المحاولة الانقلابية الذين كانوا في ضيق شديد وكرب عظيم يكاد يتبرأ منهم القريب قبل البعيد، ويلعنهم الصديق قبل العدوِّ أو كما قال القائد محمد ولد شيخن: "ربما يفر فيها الوالد من المولود" في تأبيه الوفي للمرحوم مولاي ولد إبراهيم.

وفي خضم تلك الأحداث تحركت قيم الفروسية ومبادئ النجدة وكوامن التضحية لدى الفارس الخلوق مولاي ولد إبراهيم رحمه وآخرين أطال الله أعمارهم في طاعته فقالوا نحن للنجدة وإغاثة الملهوف وحماية مزعزعي أركان النظام الطائعي الجامع بين سوأتي التطبيع والتفقير واعتقال العلماء ومحاربة التدين والشعائر.

التقى الفارس مولاي ولد إبراهيم وإخوانه قادة الانقلاب في أماكن اختفائهم وحموهم وخرجوا بهم من البلاد على طول طريق الأمل في عملية بطولية يمر الناس عليها اليوم مرور الكرام، وهي لمن تأمل وقارن يدرك أنها موقعة تحيي ما نقرأ في تراثنا عن وقائع النجدة ومواقع البأس والإقدام سيما أنها جاءت في سنوات نكوص قيمي وتردٍّ أخلاقي حسَّن القبيح وقَبَّحَ الحسن. 

تلك الوقائع الفرسانية التي كان اسم مولاي ولد إبراهيم فيها لامعا في ثناياها فصلها  بالتواتر قادة فرسان التغيير في شهاداتهم أو تأبينهم للمرحوم، وهي تبين جانبا من السيرة الذاتية غير الرسمية، وهي شهادات جامعة بين الانطباعات الأولية التي صدقها الواقع والتجربة كما في قول محمد ولد شيخن في حديثه عن لقائه الأول بمولاي "كان الزائر شابا في سن النضج، ظاهر البنية، يتسم بنضارة الوجه وحسن الهيئة. خلال اللقاء ظل طلق المحيا، دائم البسمة، يشع من عينيه التفرس والعطف"، وما أظن مكروبا يرى بسمة مولاي وبشاشته إلا سري عنه. 

كما انطبع في ذهن ولد شيخن عن المرحوم مولاي في مناسبة أخرى "أنه شخص متدين وملتزم حركيا، لكنه أبعد ما يكون عن التقوقع والدروشة، بل هو رجل صلب وشجاع"، هذه الشجاعة التي تواترت في الشهادات عن المرحوم مولاي ولد إبراهيم كانت ميزة أساسية في سيرته وملمحا بارزا في عطائه وكسبه، وهو خلق لازمه في الشدة والرخاء، ويؤكد القائد البطل الرئيس صالح ولد حنن صالح  في التأبين المختصر المؤثر الذي كتبه عنه أن درجة مولاي في الشجاعة من الدرجات التي "قل نظيرها فيمن عرف من البشر"، وقد عرف صالح في مسيرته الكفاحية الحافلة كثيرا من الشجعان. 

وذكر الرئيس أستاذنا محمد جميل منصور أن الراحل مولاي "شهد في حياته لحظات صعبة ومحطات فاصلة فلم تجرفه ولعلها لم تهزه.. ولا تخيفه المخاطر"، واستدعى أستاذنا الشجاع أحمد الوديعة نموذجا من صلابة وشجاعة مولاي خلال إدارته لقناة المرابطون، وحسب المرء من الشجاعة والإقدام أن يزكيه فيهما جميل ووديعة مع صالح ومحمد وقادة فرسان التغيير.

ثمة خِلال أخرى كثيرة تجد في سيرة المرحوم غير الرسمية متسعا، لخصها صالح ولد حنن في قوله بعد صحبة الفقيد عقدين من الزمن: "عرفت هذا الرجل منذ أكثر من عشرين سنة،  وفي كل المواقف، وأشهد له بين يدي رب العزة أنه جمع خصال : الصدق مع الله ومع الناس والأمانة والكرم ورجاحة العقل وشجاعة قل نظيرها في من عرفت من البشر". 

رجاحة العقل التي أشار لها صالح تواترت في الشهادات المودعة لفقيدنا فهو "النائب الحكيم".... المتقدم على أساتذته وأقرانه "عقلا وروية واتزانا، كان أكبر من سنه" حسب الرئيس جميل، وعند ولد شيخن الذي استذكر مرافقة مولاي لوفد فرسان التغيير في جولته الوطنية الأولى بعد حريتهم، وكان الناطق الرسمي باسم الوفد  أنه  "تكلم على الدوام بما هو مناسب في كل مرحلة مع فائض أريحية وحذق، وكان بعد ذلك قريبا من مخاضات إنشاء حزب حاتم، وما تخللها أحيانا من مطبات ولحظات محتدمة، ولقد استعان في كل ذلك بزاد وافر من سعة الأفق والإيجابية والصبر".

مولاي ولد إبراهيم راحلة من الرواحل التي لا توجد إلا في كل مائة ألف يدخلون الدنيا بهدوء ويصنعون التاريخ بإخلاص، ثم يرحلون أيضا بهدوء، تاركين آثارا شاهدة ومآثر باقيات من المجد والنبل والذكر الطيب، والذكريات الباسمة لدى كل من عرفهم في الرخاء والشدة فلم ير مولاي  إلا مبتسما تبسما  يحمل صاحبه قلب أسد ، وفي عينيه ذكاء خارق ينفذ إلى الأعماق بلا استئذان، نسأل الله الذي حَسَّنَ خَلْقَهُ وخُلْقَه  في الدنيا وأعلى همته أن يبوئه منازل الصديقين ويعلي درحته في المهديين، وأن يربط على قلوب أبنائه وذويه ومحبيه وإخوانه وكل من عرفه. والله حسبنا ونعم الوكيل.