تاريخ موجز للعلاقة بين البصل والموريتانيين../ بقلم: اقريني امّينوه

اقريني امينوه (كاتب صحفي)

 

 

حكوماتنا المتعاقبة لاتحب البصل؛ فهو يذكرهم  بانهمار الدموع؛ وهي لاتحب دموع الفرح وتعشق مسيلات الدموع .
والبصل مكروه لذاته من قبل الحكومة ورائحته نفاذة كرائحة الشعب أيام الخريف . ويرتبط فى أذهان صناع القرار بقصة المناهل التى تربينا عليها؛ حين يستبدل البطل ببصل؛ هكذا بكل بساطة.
ثم إن البصل فى ميتولجيا الموريتانيين يُحيل الى القوة المفرطة( فلان اصح من بصله) وهذا أمر مربك للسلطات !!.
====
عرف الموريتانيون البصل  متأخرين ؛فحتى بداية الستينات لم يكن البصل عنصرا أساسيا فى مقادير وجبات الموريتاني؛ كان الموريتاني بسيط الطموح المطبخي؛ ومتسرع بطبعه  ويميل الى المشاوي؛ فالثروة الحيوانية وفيرة؛ وبإمكانه أن يُضرم  النار فى لمح البصر ويقلب قطعة لحم على نار هادئة؛ ويُحضر من بقايا الفحم وسيلة أخرى لإنجاز كأس معتقة من الشاي الأخضر.
===
ومنذ جفاف السبعينات؛ تسلل البصل  الى مراجل الموريتانيين عبر ميناء نواكشوط ؛ الذي أصبح الاعتماد عليه واضحا فى استيراد موادنا الغذائية؛ ومنذ أن قشرت أول سيدة "بصلة "سرت عدوى حضور البصل فى موائدنا .
وتفنن مجتمع الثمانينات فى توظيف البصل كرديف استراتيجي "للفلكه"  وبلغ البصل أوج حضوره كعنصر رئيسي فى مطابخ أهل المدن مطلع التسعينات حين اهتدوا الى شوائه مع " الكبده والذروة" فى ازقة سوق كابيتال.
===
ومع مطلع الألفية تراجع البصل فى قائمة اهتمامات الموريتانيين وتحول الى مكمل غذائي يعوض به بسطاء نواكشوط  حياد طعم الدجاج المجمد ؛ القادم من البرازيل وتركيا لاحقا والذي غزى سوق شارع الرزق؛ ومع العقد الثاني من الألفية أصبحت رائحة البصل ماركة مسجلة لأصحاب دكاكين "السقط"  حيث تفوح رائحته فى كل هجير كتعويذة صبر ضد روتينهم القاتل .
واليوم يتعافى البصل من رهاب السعي الى المكانة اللائقة به فى مصاف الخضار النبيل ؛ ويتربع على عرش الخضروات كأغلى مفقود فى كل المطابخ الموريتانية .