حديث اليراع..بقلم: أحمدسالم ألفغ عبدُ الله.

أحمدسالم ألفغ عبدُ الله.(كاتب صحفي)

 

عُرفت المساجلات الشعرية قديماً في الأدب العربي ، وهي جمع "مساجلة" وهي المناظرة والمفاخرة، والمساجلة أخذا من السَّجْلِ، والسَّجْلُ هو الدلوُ الكبيرة، أو الدلوُ مملوءة أو ملؤُها.
ومن خلال هذا الاشتقاق يتّضح ما قُصد في هذا المصطلح من إرادة ذكر ووفرة وغزارة ما يصدر عن كل واحد من أطراف المساجلة ، وكل يروم أن يكون سجله أكبر من سجل ندّه ،ومن هنا قيل: "الحرب بين القوم سِجال، أي يتبادلون سجالها".
المساجلة في الأدب هي ضرب من  "المصاولة الشعرية" يجري بين طرفيْن تعدَّدت أفراد أحدهما أم لا، وبهذا المعنى تكون المساجلات أعمَّ وأشملَ مما يُعرف بـ"لنقائض" و"المعارضات" فكل واحد من المصطلحين "النقائض" و"المعارضات" تدخل في المساجلات لغويا ، إلا أنّ الاستعمال حصَر النقائض فيما يجري بين طرفين منصرفا من التعيير وذكر المثالب ..، فهي أي النقائض تقع بغرض الهجاء ونحوه ، مع اختلاف الطرفين على المعايير وقد تنحو منحًى آخر أكثر أدبا وأقلّ مباشرةً..

أما المعارضات فهي في أصلها محاذاة لنموذج فنيٍّ يراه اللاحق أسمى من السابق، وهي إقرار للأول بالتفوق والتقدم من أول وهلة مثل معارضات محمد بن الطلبة اليعقوبي ( 1774 – 1856 م ) لحميد بن ثور الهلالي ، قال حُميد في مطلع قصيدته :

ألاَ هيَّما مما لقِيتُ وهيــما 
                        وويحاً لمَن لم يلقَ منهن ويْحَمَا

فعارضه محمد ولد الطلبه بقصيدته التي مطلعها :

تأوبَهُ طيفُ الخيال بمَرْيَما 
                          فبات مُعَنًّى مستَجنًا مُتَيَّمَـــا

ومعارضته للشماخ بن ضرار الغطفاني (ت: 22 هـ /643 م) ، في قصيدته التي مطلعها :

ألا ناديا إظعان ليلَى تُعـرّجِ 
                    فقد هِجْن شوقًا ليْته لم يُهيـجِ

فعارضه محمد بن الطلبة بقوله :

تَطاوَلَ ليلُ النَّازعِ المُتَهَيِّـج 
                     أمَا لضِيَاءِ الصُّبْحِ مِن مُتَبلّـجِ ؟

ومعارضة العلامةِ حُرمة ولد عبد الجليل : ( 1150-1243هـ/1737-1828م) ، للخنساء ” تماضر ” بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلَمية ، ومطلع قصيدتها :

أعيْنَيَّ هلاَّ تَبكيان على صَخْرِ 
                          بَدمْعٍ حَثيثٍ لا بكيء ولا نزْرِ

فعارضها العلامةُ حُرمة ولد عبد الجليل بقصيدته التي مطلعها :

ألا فامسكوا عنّا حديثَكُمُ المرّا 
                      قذفتمْ به لا كان في كبدي جَمْرا

وقد عُرفت المساجلات عند أوائل الشعراء الموريتانيين الكبار وكانت بداياتها مع ابن رازكة ومحمد اليدالي ، كما كثُرت هذه المساجلات بين العلماء والفقهاء خصوصا في المسائل الفقهية واللغوية تمثّل في إرسال أسئلة إلى محاضر العلم بحثاً عن أجوبةٍ أو تفصيل لها ..
وأحياناً تكون المساجلة هدفها الظرافة والطرافة ومن ذلك مساجلة دارت بين العلَميْن الشيخ : حمداً ولد التَّاه أطال اللهُ بقاءه، والشيخ محمدسالم ولد عدُّود – رحمه الله – تميزت بموضوعها ورِقَّة شعرها وانسيابيتها ، فكانت المساجلةُ الأولى آخر تسعينات القرن الماضي فاختارت عنوانَها من مسلسل "الزنكلوني" المعروف بتقلبّه وظرافته ، فعُرفت ” "بالزَّنْكَلونِيَات" ، ومكانَها من السجل الذهبي بالسهرة الرمضانية على التلفزة الموريتانية ، وبدايتَها مع الشيخ حمداً :

النَّاسُ ذاتُ هُمــــومٍ 
                      كثِـــيــرةٍ وشُــــؤونِ
البَعْضُ منهم سَلِيـــمٌ 
                     وبعـضُـهم "زَنْكَلُونِي"

فردَّ الشيخ محمد سالم ولد عدُّود رحمه اللهُ :

بالشّيخِ حَمْداً صِلونِي 
                        وعنْهُ لا تَفصِــــلونِي
وفي سِجِلِّ اللَّيَـــالي
                      إِزَّاءَه سَجِّـــــــــلُوني
إِنِّي على العَـهْدِ مِنْهُ 
                      وَإِنْ هُمُ عَـــــــذَلونِي
فَلِي ثَبَاتٌ ، فَمَـــالي 
                      تَحَــوُّلُ ” الزَنْكَلُونِي “

فردَّ حمداً :

الدَّهْرُ كالمِنْجَنُـــونِ 
                   يجري بِنا في سُكونِ
فقَد قضَيْنا زَمَــاناً 
                  في غَفْلَةٍ وَمُـــجُـــونِ
فقَدْ سَعِدنا زَمَـانـاً 
                  بصَوْمِ شَهْرٍ مَـصُـــونِ
والشَّيْخُ عدُّودُ يروي 
                 نَوادِراً من فُـــــنـــــونِ
وتَـــــــــــارةً نتَسَلَّى 
                  في عالَمِ ” الزَنْكَلُونِي “

فاحتفظت مساجلتُهما الثانية بمكانها وهو السجل الذهبي للسهرة الرمضانية بالتلفزة الموريتانية عام 2004، واختارت موضوعها من الواقع ، وهو غَزوُ الجَراد لمناطق واسعة من البلاد آنذاك ، فعُرفت بـ ” الْــجَـــرَادِيَاتْ” ، وبدايتها مع الشيخ حمداً ، فكتَب بيتيْن قديميْن، أوردهما الدميري في حياة الحيوان:

مرَّ الجَرادُ على حَرْثي فقُلتُ لَهُ 
                             لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسَـــادِ
فقال منْه خَطِيبٌ فوْقَ سُنْبُلَــةٍ 
                            إِنَّـا علَى سَفَـرٍ لا بُـدَّ مِنْ زَادِ

فـردَّ الشيخُ محمد سالم ولد عدود رحمه اللهُ :

ومَرَّ أيضاً بِمَرعَانا فقُلتُ لَــــه 
                       مَا ذا أمَالكَ مَرْعًى غَيْرُ مُـرْتَادِ
فقَال مَالي مَـرَادٌ غيْرُ تُربتِكُمْ 
                    فَأكْرمُوا نُزْلَ هذا الرَّائِح الغَــادِي