لئن كان للبندقية دور في طرد فلول الاستعمار الفرنسي من البلاد فقد كان للكلمة هي الأخرى دورها_تقرير

لئن كان للبندقية دور في طرد فلول الاستعمار الفرنسي من البلاد فقد كان الكلمة هي الأخرى دورها، ولئن كانت الأولى نجحت في أخذ طريقها إلى جسم العدو فإن الأخيرة نفذت إلى أذهان وأثرت في عقليات ساكنة هذه الأرض، وتلك هي المقاومة الثقافية.

التي تجسدت في دعوة ساكنة هذه الربوع إلى الجهاد ومقاطعة المستعمر وعدم التعامل معه ومقاطعة مدارسه وارتكزت أدلة هذه المجموعة على ما ورد في الكتاب والسنة، في وجوب الجهاد والترغيب فيه وإظهار مزاياه ومنافعه وما يترتب على تركه من الهوان والخنوع، فكانت المحظرة والزاوية والمسجد دروعا واقية وصمامات امأن للهوية العربية الإسلامية ولقيم المجتمع وموروثه الحضاري بكل مظاهره وتجلياته، فأصدرت فتاوي عديدة تحث على جهاد المستعمر بقتاله ومقاطعته اقتصادية، ودبجت نصوص أدبية فصيحة وشعبية في هذا الصدد.

يقول في مؤتمر تندوجه الذي تداعى له شيوخ البلاد وأمراء للتشاور حول الوجود الاستعماري في البلاد ألقى العلامة سيدي محمد ولد الشيخ سيديا قصيدته الشهيرة التي يقول فيها

 وَلَوْ فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ حُرٌّ...يَفُكُّ الْأَسْرَ أَوْ يَحْمِي الذِّمَارَا     لَفَكُّوا دِينَهُمْ وَحَمَوْهُ لَمَّا... أَرَادَ الكَافِرُونَ بِهِ الصَّغَارَا

 وَسَامُوا أَهْلَهُ خُطَّاتِ خَسْفٍ...يُشَيِّبُ وَقْعُ أَصْغَرِهَا الصِّغَارَا   حُمَاةَ الدِّينِ إِنَّ الدِّينَ صَارَا....أَسِيرًا لِلُّصُوصِ وَلِلنَّصَارَى

 فَإِن بَادَرْتُمُوهُ تُدَارِكُوهُ   وَإِلَّا يَسْبِقِ السَّيْفُ الْبِدَارَا

 بِأَن تَسْتَنصِرُوا مَوْلًى نَصِيرًا     لِمَن وَالَى وَمَن طَلَبَ انتِصَارَ

قصيدة من بين قصائد أخرى كثيرة تحث على مقاومة المستعمر على كافة الأصعدة وتبث في روح المجاهدين أهمية الوقوف صفا واحدا في وجه المستعمر الفرنسي

وقد كان علماء هذه البلاد يصدرون الفتوى تلوى الأخرى حاثين على مقاطعة المستعمر فقد دعا العلامة اجدود ولد كتوشني العلي إلى المقاطعة الاقتصادية للمستعمر بقوله

لا تعينوا بالعلك حلف الأعادي

أتعينون آثما كفارا

فاقطعوا عنهم الشراء حذارا

أن يصروا على الأذى إصرارا

هذه النماذج من المقاومة الثقافية التي قيلت في وقت مبكر من وجود المستعمر في هذه البلاد تؤكد الوعي الحاصل حينئذ عند ساكنة هذه الربوع بخطر الاستعمار على الشعوب، ولا ننسى أهمية المقاومة الثقافية التي شكلت وقودا مستمرا للمقاومة المسلحة