(كتاب : "سلطنة أولاد امبارك " .. عنوان هائل ومضمون صادم)/ الأستاذ : سيد صالح ولد افاه

(

ما إن سمعت -كغيري- من الدكتور سيد الامين بن سيد احمد بن ناصر أنه بصدد إخراج كتاب جديد ذي عنوان "هائل براق وجذاب" هو (سلطنة أولاد امبارك ... ذاكرة الملك والفن والفروسية) حتى تملكني الفرح بأننا على موعد مع نمط جديد من كتابة جزء من تاريخ البلد الذي لم ينل من الدراسة ما يكفي ؛ نظرا لمكانة الدكتور العلمية ؛ ولكونه شخصية علمية خرجت من طينة المجتمع لمباركي فهو مظنة لثروة كبيرة من الأخبار المفحوصة بعقل "المفكر" والمصبوغة بصبغة "المنطق" على عين "الناقد البصير" والمعروضة على المنهج التأريخي المتكئ على خلفية علمية متينة ؛ تتٱخى مع طريقة أهل الجرح والتعديل في نقل الأخبار وفحصها ونقدها ' كما أشار هو نفسه في مقدمة الكتاب الجميلة ؛ لكنه ما إن صدر الكتاب ووقع في أيدي الباحثين الذين كانت تشرئب نفوسهم بشغف وشوق حتى انقلب الفرح "صدمة" بسبب ما حشيت  به فصول الكتاب من أخلاط وأغلاط وأخطاء ؛ ورغم أني أقدر للشيخ الفاضل الدكتور جهده هذا إلا أنني بصفتي قارئا ودارسا أرى أن السعي في أن يبقى الحق ناصعا "مبدأ مقدس" يجب أن يعلى فوق مكانة الأشخاص ' لذلك سوف أتصدى لبعض ما اقتنصه القلم في هذا الكتاب مع أن حصر أخطائه متعذر جدا لكثرتها مركزا في ذلك على الكتاب لا على الكاتب ' وناقدا "المسرود  لا السارد " مع احتفاظ القلب بمضمرات التقدير للمؤلف "المبنية على خالص الود والاحترام " وإني لرافع شعاري الدائم المبين لباعث النقد والتصحيح في هذا المجال "حتى لا تشيع الأخطاء" في زمان أهله يحسبون كل بيضاء شحمة وكل ورم سمنا   

(تنظير رائع وتطبيق مريع )

 لقد كان مصدر إغراء الجميع هو هذا العنوان الهائل الذي اختاره المؤلف ؛ ثم صدره بمقدمة تمهيدية رائعة ' لكننا حين نتجاوز المقدمة إلى بقية فصول الكتاب نفاجأ بأخطاء منهجية قاتلة وأخطاء في نقل المعلومات ؛ وأكبر من ذلك كله أنه يخالف ما وضعه من ضوابط في مقدمته ؛ ويقع في ما حذر منه من مزالق في كتابة التاريخ فكان أول ناقض بيده ما غزل وهادم لما بنى من منهج كان ينبغي أن يسير عليه ويتقيد به ' وحتى لا يكون نقدنا للدكتور اعتباطا سوف نورد بعض ما لاحظناه في هذا الكتاب مما استطعنا حصره من الأخطاء التي تند عن الحصر وسوف نتجاوز كثيرا من الأخطاء ونحتفظ بها إلى حين ٱخر حتى لا يطول بنا المقام مركزين على أهم الملاحظات ومنبهين على أخطر المزالق :

أولا :   أخطاء منهجية 

رغم أن المؤلف أتى بمقدمة وضع فيها ما يشبه القواعد والضوابط التي ينبغي أن تحكم الباحث خلال تقحمه للحقل التاريخي المليء بالألغام ' واستمد من ابن خلدون أهم المزالق التي يقع فيها من يكتب في التاريخ واستفاض في شرحها ' إلا أن القارئ سوف يصاب بالصدمة حين يرى الانفصام بين "تنظير المفكر" و"تطبيق المؤرخ" لهذه الضوابط وهو يمارس عملية البحث ويباشر نقل المعلومة وتحليلها من ذلك :

1- (أن يكتب الإنسان في مجال لا يتقنه )

ويبدو أن الدكتور لم ينتبه إلى هذا المزلق  ' فهذا الكتاب حاول فيه الدكتور الازدواجية في التخصص فتقمص دور المفكر الذي انتزع دور المؤرخ الذي اكتفى بدور المحاور المولد للأسئلة فلا دور له في نقل المعلومة ولا فحصها ولا تحليلها وإنما ذلك كله من دور "المفكر" ' وكذلك الفنان الذي كفاه "المفكر" مؤونة سرد الأحداث على وقع النغمات وردات الأوتار وجرده من تخصصه فصار المفكر هو المخبر بدقائق أزوان وغرائب الأشعار وأوابد الأخبار واكتفى الفنان في هذه الأسمار بدور السائل الجاهل بتخصصه .. وهذه المزاوجة هي التي جعلت المفكر يقع في حيص بيص لا حدود لها من الأخطاء لعدم احترامه للتخصص  .

2- ومن المزالق التي ذكرها ابن خلدون وشرحها "المفكر" -نظريا- (غياب النقد) ومعناه رفض ترهات الأحاديث ودفعها ؛ ولكن حين مارس "المفكر" كتابة التاريخ نسي هذا المزلق واندفع في أحاديث كثيرة لم يتعهدها بالنقد ولم يضعها على مصفاة التنقيح ' فعجنها بذرتها وتبنها ولم يخلص حقيقها من زائفها ؛ وخاصة ما يتعلق بأخبار أسرته وكرامات ٱبائه وأجداده وغيرهم من مشايخ التصوف ' بل يأتي بالقصص وهي تحمل بذور رفضها وتناقضها لما تحمله من تهويل الخيال لكنه لا يملك إلا أن يصدقها بعجرها وبجرها ؛ هذا مع تأكيده أكثر من مرة في الكتاب على أن "الرواية الشفهية لا تسلم غالبا من المبالغة عندما تتناقلها الأجيال " لكن هذا إنما قاله وتذكره في غير قصص (أسرة القضاء) فهو عندما ينقل القصص الأخرى التي لا تتعلق بها يتذكر وجوب التحري وأن (الروايات تحتاج إلى وسائل التصديق وليست من المتاح فلا نشغل الوقت بها) .

3- وهذا ما يحيلنا إلى مزلق ٱخر وصفه هو نفسه بأنه أشد المزالق وقد  أغفله ابن خلدون وهو (عائق الٱيدلوجيا) فهي -كما يقول - : (أكبر الٱفات التي تنخر في جسم التاريخ) وقد فسرها الدكتور المفكر -حفظه الله- تفسيرا رائعا حين قال  : إنها تعني (توجيه التفكير وفق مصلحة المفكر ونزعاته) هذا نظريا ؛ أما تطبيقيا فهو ما قام به المؤلف نفسه حين وجه (الكتابة عن سلطنة أولاد امبارك) وفق هذا المفهوم ' فالدافع الذاتي للكتابة -كما هو جلي- قائم على

ٱيدلوجيا (السلطة والقضاء) توصلا من خلال ذلك إلى إثبات أن أسرة المؤلف الكريمة كانت هي أسرة القضاء بلا منازع في "عموم السلطنة " وكل "كياناتها" وراثة وتلادا مع ما تبع ذلك من قصص وكرامات ؛ ليبني بذلك هالة كبيرة تستحقها الأسرة الكريمة أهل سيد احمد  بن ناصر ' لكنهم كانوا في غنى عن هذه الهالة التي بناها الدكتور المفكر من خيوط الخيال ونسجها بقلم "السارد" المبتعد عن أبسط قواعد المنطق ' ومنهج كتابة التاريخ ؛ ودليل ذلك أنه لا يترك فرصة يذكر فيها قصة القضاء إلا وذكرها حتى ولو كان الموضوع بعيدا من ذلك "الاستطراد المقحم".
وهكذا نجد أن الكاتب المفكر ينسى في خضم الحديث وتشعب الاستطراد هذه القواعد والضوابط والمزالق التي أوردها وشرحها بنفسه وذلك ما سنبينه تفصيلا بعد إجمال .

ثانيا : (من حكاية السرد إلى صناعة السرديات)

القارئ للكتاب يكاد تنكشف له حقيقة مفادها أن الكتاب كله مبني على "سردية القضاء" داخل السلطنة ومحاولة إثبات ذلك بالتكرار و "جر الموجب" له في كل فرصة سانحة وإقحامها في كل موضوع ' حيث انتقل المؤلف من مؤرخ للأحداث ومفكر وأستاذ "منطق" يعرض السرديات على العقل والمنطق ؛ إلى صناعة السرديات وتفعيلها وإحيائها ب"منطق التسليم المطلق بصدقها" عندما يتعلق الأمر ب"أسرة القضاء" الفاضلة أسرة أهل سيد احمد  بن ناصر .

يبدأ المؤلف "سردية القضاء" بأسطورة التأسيس -وهو في ذلك ليس بدعا من كل المجتمعات والمجموعات فما منها إلا له "قصة مؤسسة" - حيث يذكر المفكر السارد قصة لقاء جده بالجد المؤسس محمد الزناقي بن بنيوك بن أعمر بن الذيب بن اعمر بن الفحفاح ناجل السلاطين والأمراء والفرسان وأن جده فرض شروطه على جد الأمراء وأن محمد الزناقي رضخ لشروطه ومن بينها عدم تعقب أحكامه ' وعدم وجود بناته في بيوت الأمراء ' وأن محمد الزناكي قابل ذلك بكل مظاهر التبجيل التي تجاوزت حدود القبول بها إلى عرض بناته عليه ."
 وإني لا أنكر أن الأنساق المجتمعية كانت تفرض هذا التباعد بين طبقات المجتمع ؛ لأن الدراسة الموضوعية تقتضي منا الاعتراف بما كان نظرا لترسخ ظاهرة العصبيات البدوية ' لكننا يحق لنا أن نفحص هذه السردية ونعرضها على "المنطق" و"الإمكان" حيث لن تصمد طويلا أمامهما ' فالمجتمع الزاوي كان يضرب أسواره في صمت بعيدا عن إملاءات شروطه على المتحكمين  ومواجهتهم بها على الرغم من تسامح أهل السلطة  القائمة ' فالقوانين المجتمعية كانت تطبق بصرامة لكن ليس بهذه الطريقة التي تغيب فيها اللياقة واللطف أمام قوم ألفوا ظهور الجياد واستأنسوا بالصوارم حذر أن تمس كرامتهم أو يقترب من حمى مجدهم فكيف بمن كان هذا حالهم أن يمارس عليهم فرد واحد هذه الشروط المخزية والصفقة المذلة بهذه الصراحة ؟!
أضف إلى ذلك أن المجتمع العلوي الذي ينتسب له جد "أسرة القضاء" كان المجتمع الوحيد الذي اتصف بالتمدن والتحضر حتى قال الشيخ محمد المامي في عرضه لفتاوى العلماء في النازلة المعروفة : "وقد أفتى فيها العلويون -ولا يوجد غيرهم مدنيون- " وطبائع التمدن وسلوك التحضر بعيدان كل البعد من هذا السلوك أمام أمير قوي قد تمهدت له الأرض لبسط نفوذه ' فهذا وحده كاف لنسف هذه الأسطورة المؤسسة التي تلوح عليها لوائح "الصناعة غير العتيقة" !

ومما ينسف سردية (القضاء ) وأن شروط جده رحمه الله سارية في أهل محمد الزناقي عموما أنه لا توجد أي رواية ولا وثيقة تؤكد تولي أي من رجال هذه الأسرة الكريمة القضاء لا في مركز السلطنة في باغنة "أهل بهدل" ولا في مركز الإمارة في الحوظ (أهل بوسيف ول أحمد وأهل هنون لعبيدي عموما) ' وإني لأخشى أن لا يكون الدكتور المفكر مخطئا في حصر "مسمى أهل محمد الزناقي" في مجموعة فاته انغل (أولاد أم النون وأولاد بنت القصاص) مع عدم ذكره للمجموعة الأخيرة  حيث يقول في الصفحة 134 : (والاسم الجامع لأهل محمد الزناقي هو "فاته انغلي" كما ذكر ذلك صالح ) ! والواقع أن صالح في الحسوة فصل في ذرية محمد الزناقي تفصيلا واضحا جدا وذكر تعصب كل فريق مع إخوته "أولاد أم النون وأولاد بنت القصاص " وهم فاته  ' و"فونتي وهم أهل بهدل وإخوتهم " و"أهل هنون لعبيدي" تعصبوا وحدهم لأن فيهم البيت والعدد ؛ وأخشى أن يكون الدكتور قام بحصر أهل محمد الزناقي في فاته ليستقيم له تسلسل القضاء في عموم السلطنة في أسرة أهل بن ناصر ؛ لأنهم منذ القدم إنما سكنوا مع فاته فقط دون غيرهم من مجموعات أهل الزناقي وما زالوا يسكنون معهم إلى وقتنا هذا . فتأمل..!!
ولا شك أن هذه السردية يشبهها في عدم التوثيق والوثوق حصر القضاء في فقهاء تنواجيو ؛ فهذا كله ما زال يحتاج إلى برهان من الوثائق مبين خصوصا أن الناس يختلط في أذهانهم مفهوم القضاء والفتوى واتصاف الشخص بالفقه ؛ واللائحة التي أوردها المرحوم يوسف نجاح في كتابه المتدارك توضح ذلك جليا حين أورد حشدا من الأسماء لا علاقة لهم بالقضاء ولا حتى بالفتوى ؛ وما تحصلنا عليه حتى الٱن من الوثائق -رغم قلته- يؤكد ممارسة عدد من الشخصيات للقضاء في مجالس عدد من السلاطين والأمراء كالعلامة صالح بن عبد الوهاب واحميتي الإعيشي في أهل بهدل ' ورحمة الله بن عبد الله بن الحاج حمى الله ومحمد بن جدو بن لخليفة القلاويان في مجلس عثمان بن هنون بن  بوسيف "ابحيدة" مع ذكر أعيان تنواجيوية من شهود المجلس كمحمد الصغير بن إبراهيم بن الشيخ وغيره ؛ لكننا لم نعثر حتى الٱن على وثيقة قصائية كتبها أحدهم ولا كتبها أحد من أهل سيد احمد بن ناصر ؛ وحتى المؤلف الذي يؤكد أكثر من مرة في الكتاب أنهم أسرة القضاء وذكر أن إرشيفهم يحتوي على عدد من الوثائق لم يأت بأي شاهد يدل على ذلك لا في صلب الكتاب ولم ينقل لنا نماذج على شكل ملحقات للكتاب ؛ والباحث يبقى كل ما يكتب محل تساؤل وشك ما لم يثبت صدقه بالتوثيق .
وتحت هذه "السردية التأسيسية " سرديات أخرى يربطها الكاتب بها بنوع من التعسف ؛ من ذلك :

1- (علاقة أولا امبارك بتنواجيو) 

 حيث أرجعها إلى تدريس ٱجه التنواجيوي لجده هو المصطفى بن الأمين وهي "سردية" يبدو أنها "قاصرة" جدا لم تخرج إلى فضاء خارج فضاء المؤلف فلا المجتمع التنواجيوي يعرفها ولا المجتمع لمباركي يذكرها ' وإزاء ذلك يحاول "تضعيف" الرواية الصحيحة المتداولة عند قطبي المجتمع والتي ترجع أولية العلاقة إلى حرب الرماة ؛ ولا شك أن تاريخ هذه العلاقة أكبر وأعمق مما اختزلها فيه الدكتور ؛ فٱجه واسمه أعمر بن اعل خديجه بن أبوبك بن يوسف بن البركه بن سيدي يحيى من أكبر ركائز المجتمع وهو جد لثلاثة فروع وهم : أهل ٱجه وهم ذرية ابنه اعليبو بن ٱجه وقد بقي لهم الاسم وأمه من أهل أعمر بن هنون بن بهدل ؛ ومحمد أوج وهم أهل أوج وبقي ذراري ثلاثة من أبنائه هم الذين يطلق عليهم اسم "إجاجبركه" وكان لٱجه دور كبير في توطيد العلاقة بين المجتمعين وقد يكون من أوائل من اتصل بالسلاطين عن طريق المصاهرة . 
ومما غاب عن المؤلف -حفظه الله- وغيره ممن تكلموا في الموضوع قبله أنه كان للرماة دولة قوية في نفس الفترة أثقلت فيها كاهل المجتمعات والقبائل بالمغارم والحروب وقد دخل معهم أولاد امبارك بقيادة هنون بن بهدل حروبا طاحنة انتهت بالقضاء عليهم وتوطيد ملكهم هناك ؛ وٱخرها معركة "برسف" الحاسمة  وهو ما لم يستطع المؤلف المفكر اكتشافه من خلال الحوليات التي ذكرت القائد الرامي الخظير وصراعه معهم ؛ وهو ما يفسر إعطاء الظهير لأهل بهدل من طرف السلطان المولى إسماعيل بهدف ملاحقة الوجود السعدي في المنطقة ' فلم يستطع الدكتور المفكر من خلال أسلوب المقارنة وقاعدة الإمكان أن يخرج من الجدلية التي أثارها ابن السعد بفائدة تطمئن إليها النفس حيث رجحها برواية  تقول إن الظهير أعطي لبهدل بدل ابنه ' ولم يطرح إمكانية خطأ هانري بارت في ذكر تاريخ الظهير ' فالظهير أعطي لهنون بن بهدل بدليل ما قاله صالح أنه "أول من وطد الملك" لكن أخذ الظهير قد يكون متأخرا عن زمن زيارة السلطان المغربي ' حاله في ذلك حال الظهير الذي أعطاه للأمير اعل شنظورة بن هدي ؛ والراجح عندي أن ذلك حصل في فترة متزامنة ؛ وهذا كله يدعم الرواية التنواجيوية ولمباركية التي أطبقت على أن بداية تجذر العلاقة كانت من الاشتراك في القضاء على الرماة وليس ما ادعاه الدكتور  ؛ وقد كتبت في السابق عن هذه العلاقة أسطرا قد تكون فاتحة للكشف عن كثير من جوانبها .

2- مخالفة الدكتور لقاعدة (الإمكان) ...

من قرأ الكتاب سيكتشف بكل بساطة أن المؤلف لم يراع في كثير من المواضيع قاعدة (إمكانية الوقوع) من حيث المقارنة التاريخية للأحداث ' والنظر في تاريخ الشخصيات التي جعلها مؤثرة في أحداث التاريخ ؛ من ذلك :
-أنه جعل جده الامين بن محمد بن خيار العلوي رحمه الله معاصرا للجد المؤسس محمد الزناقي بن بنيوك بن أعمر بن الفحفاح وأنه تولى القضاء له بتلك الشروط ' لكن المقارنة الزمنية تؤكد استحالة أن يكون التقى به أصلا لأنهما ليسا في زمن واحد ؛ فمحمد الزناقي عاش في بحر القرن الحادي عشر فهو معاصر على أقل تقدير لبوسيف ول اديك وهو الجيل المؤسس لمرحلة الانزياح من أرض الكبلة بعد معركة أكيرت ' والظاهر من رواية إعطاء الظهير والعلاقة مع سلطان المغرب أنه لم يعش حتى نهاية القرن الحادي عشر لأنها حقبة بزوغ نجم أبنائه ! وأما جد المؤلف الامين بن محمد بن خيار فهو من رجال بحر القرن الثاني عشر وقد عاش أحداث صركاكة سنة 1140 ويحتمل أن تكون هجرته حصلت بعد ذلك بسنين كما أفاد بذلك بعض نسابة ومؤرخي العلويين الأفاضل ؛  والمؤلف نفسه يشير إلى هذا الربط في الهامش حيث يربط هجرة أولاد أبوهم بحادثة صركاكه هذه ' لكنه يرجع ليخالف "منطق التاريخ" ليؤكد أنه أول قاض في حلة محمد الزناقي ؛ فإذا ما وافقنا المؤلف في كون محمد الزناقي كان القائد في مرحلة الشمال فيكون عندئذ قد سبق جده بقرابة قرن ونصف قرن؛ فمن خلال هذه المقارنة يمكن أن تتلاشى أسطورة التأسيس وقصة الشروط وبطلان "حصرية القضاء" والتأنف من المخالطة و"المصاهرة" وقصة تكليف محمد الزناقي لٱجه التنواجيوي بتعليم حفيد لم "يتكون بعد" إلا إذا كنا مؤمنين ببعض الكرامات المستحيلة كالاتفاق معه هؤلاء وتعليم أحفادهم وهم في أصلاب ٱبائهم  !..
والشيء نفسه يقال في قصة الفقيه ٱجه وتعليمه لنجل القاضي وحفيد الأمير محمد الزناقي وتهيئته للقضاء ؛ فٱجه ليس معاصرا لمحمد الزناقي ولا هو من جيله ' ولم يسكن أرض ٱدرار ولا هي من مضارب قومه ولا سجل تاريخ المجتمع أنها كانت موطن انتجاع لهم ' فهذه قصة تكذبها شواهد التاريخ ' وتنفيها "معالم الجغرافيا".. فٱجه وغيره من أعيان المجتمع التنواجيوي كالشيخ المختار "الشيخ بتار" ولد الشيخ أحمد بن عثمان وأعيان أولاد بومحمد  إنما اتصلوا بالسلاطين وأقاموا معهم تلك العلاقة الاستثنائية بعد أن حكموا سيطرتهم على بلاد الركيبة وتكانت أولا ثم الحوظ واكتمال بناء السلطان فيه لاحقا ' وتدل مصاهرة ٱجه لاعمر ول هنون بن بهدل أن بينه وبين محمد الزناقي جيلين على أقل تقدير !
وكذلك معاصرة المصطفى ولد الأمين للأمير والقائد بوسيف ولد محمد الزناقي فهي تقدير من المؤلف خاطئ ليس عليه من دليل يستند إليه ولا برهان يلجأ إليه .  
أضف إلى ذلك أن الاحتمال الكبير أن يكون مقدم جد المؤلف على مجموعة أهل الكاشوش وعلى أسرة إمارتهم أهل سيد احمد للمخطار خاصة متأخرا ؛ فقد لا يكون هو الأمين ولا ابنه المصطفى ' وإنما سيد احمد بن ناصر أو أحد أبنائه في عصر الأمير سيد احمد  للمخطار أو ابنه الأمير المختار الصغير وهو الذي يتداوله أهل الكاشوش أنفسهم .

*_ ومما خالف فيه المؤلف قاعدة الإمكان قوله : إن من تلاميذ الشيخ أحمد بن سيدي بن جدو : اعل محمود الناصري وأنه كان بصدد التتلمذ على الشيخ التراد الذي توفي في أواسط القرن العشرين ؛ وإني لقائل : لا تعليق !!!

*_ومن ذلك قوله إن الأمير سيد احمد للمختار قام بشؤون أولاد امبارك بعد معركة مد لل  والواقع أنه توفي قبلها بنحو ثلاث سنين حيث كانت وفاته سنة 1255 ' ومد لل كانت سنة 1257

3- ومما يتصل بسردية القضاء وصناعة السرديات "قصة الخؤولة" التي تجمع أسرة أهل سيد احمد بن ناصر مع أهل اسويد احمد أمراء إيدوعيش ؛ وهذه القصة تؤكد أن هذه السردية هي من نسج الخيال لا علاقة لها بالتاريخ ولا بالواقع ؛ فأين تاريخ محمد الزناقي الذي كان معاصرا لمحمد بن خون من اسويد احمد بن محمد بن امحمد شين بن بكار بن أعمر بن محمد بن خون الذي يفصله معه أربعة أجيال ؟ !
وكيف عاشت منينة بنت محمد الزناقي خالة أسرة القضاء قرابة قرن ونصف ليتزوجها محمد بن امحمد شين لتلد له اسويد احمد ويكون أولاده أبناء خالة أهل سيد احمد بن ناصر ؟!
أليس هذا وحده كافيا لاكتشاف أن الدكتور المفكر "أستاذ علم المنطق والإبستمولوجيا" قد خالف (علم المنطق) و(منطق التاريخ) و(منطق الأشياء العادية الحسية)  وأن الكتاب كله بني على هذه السردية الباطلة بأدلة النقل التاريخي والعقل والمنطق ؟!!

4-وقد وصل المؤلف هذه السردية بقصة أخرى وهي أن أسرة أهل اسويد احمد كانوا يحفظون لأسرة القضاء هذه الخؤولة حيث جعل باعث زيارة الأمير عبد الرحمن ولد بكار ولد اسويد احمد "الدان" لقرية تيمزين هو من أجل زيارة أبناء خالته القضاة أهل سيد احمد بن ناصر  ! وكأن الأمير الدان لا تربطه أي علاقة بأولاد امبارك إلا هذه الخؤولة ؛ ولا يحفظ من قرابات البيوت الأميرية في الإمارتين التي استمرت حتى أثناء الحرب الطويلة بينهما إلا قرابته البعيدة بأسرة أهل سيد احمد بن ناصر !
وهنا أستحضر ما قالته قريش للفاتك المشهور الحارث بن ظالم المري حين جاء إلى مكة بعد أن خلعه قومه بسبب فتكه فكان يحاول (بنعمة) قريش ويقول إن جده مرة القرشي وليس مرة الذبياني ؛ -وذلك أنه يقال إن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان ؛ إنما هو مرة بن عوف بن لؤي بن غالب - فكان قريش يجيبونه ببرودة قائلين : (هذه رحم كرشاء)!

4- وقد وصلها أيضا بقصة أخرى وهي محاولة دعم الأمير اباهي لول يحيى انجاي في الانتخابات البرلمانية وخروج الإمام ولد سيد احمد بن ناصر مغضبا لأن اباهي واجهه بهذا حتى قيل للأمير اباهي إن سبب غضبه أن أحمدو ول حرمة ابن عم القاضي فذهب وترضاه !
والسؤال المطروح هو : كيف غابت عن الأمير "هذه القرابة بين القاضي وبين النائب أحمدو ول حرمة"؟ وهل كان يجهلها حقا ؟ وكيف خفيت عليه - وهو لا يرمى "بجهل الأعيان"- وعرفها بعض العامة؟!

5- ومن سرديات قصص (القضاء المتوارث في السلطنة) ما حكاه من قضاء الإمام ولد سيد احمد بن ناصر في حادثة أم الشكاك وأن الفرنسيين دلوا عليه لحياده وعدم تبعيته لأحد الطرفين ؛ لكن المؤلف يفاجئنا بالعلاقة الشديدة بين الإمام والشيخ حماه الله وأن كلا منهما كان يلقب الٱخر بالدولة وغير ذلك من العلاقات الروحية والعلمية ؛ وأن الحاكم الفرنسي حين سأله عن سبب حبس المطر أجابه بأن السبب هو حبس أبناء الصالحين وأن المطر نزل تلك الليلة حتى خشي الناس ! هذا مع ما أبداه المؤلف نفسه من ميل وانحياز مما يوحي بأنها سردية صنعها المؤلف لحاجة في نفسه ؛ فلم نجد من روى أن جده قضى في هذه القضية مع أنه حين ذكر ما قضى فيه نجده أمرا بديهيا وهو أن (لا يشهد أحد منهم على الٱخر) ! 
والقضاة المعتمدون في تلك الفترة عند الإدارة معروفون ' ومن تكلم في الحادثة معروف أيضا والقاضي الذي حكم في الليوانة معروف أيضا وليس هو الإمام القاضي ول بن ناصر قطعا ! 

6- ويتصل بذلك محاولة المؤلف جعل المجتمع لمباركي تيجانيا متأثرا بالطريقة الأدهمية ؛ وأغلبه أتباع للحمويين والأدهميين وهو أمر إن حصل لم يتجاوز "دائرة المؤلف الضيقة" .

7-ومما يتصل بصناعة السرديات ما حشى به "المفكر أستاذ علم المنطق" و "مؤصل الفقه المالكي بالأدلة " (الحقل الروحي ) من قصص تصادم العقيدة الصحيحة وتخالف العقل ؛ وإني لأستغرب من شخص مثل الدكتور سيد الامين "أستاذ الفلسفة والمنطق" أن يورد مثل هذه الخرافات على أنها كرامات من كرامات أولياء الله ؛ والأخطر أن أغلبها فيه سطو على بعض خصائص الله وهي "علم الغيب" فتجد المؤلف يتنازل عن عقله الفلسفي وعن منهجه المتكئ على المنطق كما كنا نتوقع ؛ ويقع في نفس المزالق التي أوردها ونقلها عن ابن خلدون وشرحها هو حيث يورد هذه الخرافات ويسردها بكامل الوثوق بها رغم ما تحمله من فساد العقيدة ليعيد إحياء الصراع بين ما يسميه المرحوم محمد ولد عبدي (إيديولوجيا العنف ' وعنف الٱيديولوجيا) ؛ وقد كان "عنف الٱيديولوجيا" هو سلاح الزوايا في مواجهة "قوة سلاح بني حسان " ولذلك نسجت كثير من القصص لإرهاب الخصم وقاموا بالترويج "الإعلامي" لها عن طريق سلاح "سر الحرف" وقصص "التزبوت " والتحدث عن "المغيبات وما في الضمائر" وغيرها وقد حشى المؤلف الكتاب بمثل هذه الخرافات وخاصة ما يتعلق منها بأسرته ؛ وهذه القصص الخرافية بقدر ما تحمل من ترويج لمكانة "أسرة القضاء" العلمية  والروحية وتكريسها من خلال الكتاب ؛ حملت كثيرا من الإساءة على المجتمع لمباركي وخاصة أولاد أم النون حيث جعلهم قطعانا بلا عقول ولا عقائد ؛ من هذه القصص  :

أ-  أن جده ول هاوة الملقب "بونار" - لأنه كان إذا غضب على قوم احترقوا بالنار - كما ينقل المؤلف _ بكل وثوق_ ! كان يستغيث به أولاد أم النون في قضاء حوائجهم من خلال امرأة تكشف عن ظهرها عند قبره وتناديه "يحرك امك هاوه" الخ تلك الخرافة .!!!!

ب- ومن الغريب قيام المؤلف بعملية "نسخ ولصق" لبعض القصص الشائعة ليجعل أحد طرفيها بعض أجداده من ذلك ذكره معاصرة سيد احمد بن ناصر للشيخ إبراهيم ولد الشيخ محاولا جعله ندا له في الذيوع والشيوع ؛ وأن أحدهما فتح حجرا وقام الٱخر بإعادته كما كان !! فهذه رغم خرافيتها إلا أن الرواية الشائعة لا تذكر جد المؤلف من أطرافها .
وكذلك قصة ضيافة كل من زار قبر جده فهي تذكر لبعض مشايخ المنطقة الٱخرين .. وتشتد الغرابة حين يجعل التقري عند قبر من القبور يدخل في ظاهرة (البركة وتحقيق مراد الرجل الصالح) وهي أصلا حادثة لا تستحق التوقف .!!!!

ج-   ومن القصص الموغلة في الإساءة إلى العقيدة وكذلك الرموز التاريخية ما أورده من قصة العجوز التي سماها "حورية بنت بمبارة" التي أراد أبناء أخيها أن يظلموها ويأخذوا مالها مستعينين بالأمير بوسيف ول اعل ول المختار الصغير ليعينهم على ظلمهم عند القاضي وأنها قالت للقاضي الإمام بن سيد احمد "أتوسل بك وبٱبائك وأجدادك" وأنها طلبت منه أن تكون موتها متأخرة عليهم جميعا ؛ فحصل لها كل ما طلبت فماتوا قبلها جميعا .
فلا حول ولا قوة إلا بالله !!!

 د-   ومن أحاديث الفرى ما ذكر أنه  دار بين السلطان خطري ول أعمر ول اعل وبين أحمد جدو بن سيد احمد بن ناصر صاحب (كيوارة) -كما يقول المؤلف- وأن الأخير كوشف له عما تبقى من عمر السلطان خطري وهو خمسة أيام !!
ومن العجيب أن المؤلف بعد أن ذكر هذه القصة في "حقل التصوف" واعتبرها كشفا لم يكتف بذلك بل أعاد حكايتها وهو يتحدث عن أسباب سقوط الإمارة ' وهي فعلا قصة تحتاج إلى مزيد من "التكرار " وإعادة "التكرير" لكي تستقر في أذهان ضعفاء النفوس ؛ أما من عنده مسكة من العقل والعقيدة فسيجعل منها وسيلة للتندر والفكاهة ' وحين افترض سؤالا بأن هذا رجم بالغيب ؟ أجاب بأن (هذا يرد إلى كرامات الصالحين ) والأخطر هو قوله : (بل هي إعلام من الله) فسبحان من قال {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } والصلاة والسلام على من قال : (لا نبي بعدي) !!!! 
وقبل ذلك بصفحات سئل عن الرواية التي تقول بأن سبب سقوط إمارة أولاد امبارك هو  (حكمة طلسمية) استخدمها بعض المشايخ جعلت المدافع في حالة عطل ؟
أجاب - حفظه الله- : (أن التاريخ وقائع موضوعية ينبغي أن تبنى على منطق الواقع) ..
وهكذا يضع الدكتور القاعدة النظرية ثم ينساها في لمح البصر بسبب "العمى الٱيدلوجي" الذي جعله في مقدمته أكبر عائق في البحث ؛ وكأنما يصف لنا طريقته في الكتابة وتلاعبه بعقول القراء وكأنه يعتمد على عدم فهمهم ! فالرجل لا يبالي بأي تناقض يقع فيه ما دام ذلك يخدم فكرته ويساعد في ترويجها !!
ولطالما أدخلت كثير من السرديات التي لا أساس لها من الحقيقة في صراع الأمراء فيما بينهم وصراع فروع الإمارة ؛ بهدف التأثير الإعلامي للأطراف "الروحية" على عقليات المجتمع وإظهار أن الانتصار أو الهزيمة كانوا هم العامل الحاسم فيهما  ؛ ولكنها تبقى حكايات لا أثر لها في واقع البحث الجاد ' ولا ينبغي لكاتب يتوخى الحقيقة والمصداقية أن يجعل منها "مادة لكتابة التاريخ" ولا مصدرا لاستقاء المعلومة التاريخية ؛ بل هي تدخل في دائرة (التاريخ المناقبي) الذي قد يسمعه الباحث ليساعده في دراسة "نفسيات المجتمع" لكنه ينبذه في البحث عن حقيقة الوقائع كما ينبذ عند الأصوليين "إلهام الأولياء" في أخذ الأحكام الفقهية كما قال العلامة سيدي عبد الله في المراقي :
وينبذ الإلهام بالعراء.   أعني به إلهام الأولياء
  فكذلك ينبغي للباحث أن يبعد مثل هذه القصص فلا يأخذ منها حقيقة تاريخية . 
ومن الحقائق التي تنكبها أو جهلها الدكتور أن التأثير الروحي على الأمراء والسلاطين لمباركيين لم يكن على إطلاقه بل كان مقتصرا على احترامهم للمشايخ والعلماء وذلك نابع من احترامهم المتأصل للدين وليس خوفا أو طمعا كما حاول هو تصوير ذلك ؛ وما دار بين السلطان العادل -الذي وصفه هو بالجنون- محمد ٱماش وأخيه العادل الخير أعل ول أعمر مع الشيخ إبراهيم ولد الشيخ رحم الله الجميع وما جرى بينهم من خلاف عميق وجفوة شديدة حتى راسل سيدي محمد الكنتي السلطان ٱماش في شأن  ما حصل بينهما من الجفوة يؤكد هذه الحقيقة ' فما بالك بغيره ممن لم يشع لهم من التأثير والمكانة ما شاع له ولم يصلوا إلى ما وصل إليه ابهاه من شيوع بركته في الناس والتصق بالذاكرة الجمعية وردده كل لسان ؟  ! 
وليت الدكتور المفكر طبق قوله وهو يعقب على بعض الحكايات التي لا تتعلق بأسرته : (ولكنها رواية تحتاج إلى وسائل التصديق)!

ثالثا  : (أخطاء وأغلاط وتناقضات)

أ-   أخطاء في الأنساب 

وهي كثيرة جدا وصادمة ولا يتصور أن شخصا مثله تصدر منه هذه الأخطاء حين يتحدث عن المجتمع الذي عاش فيه وساكنه وقرأ عنه ؛ وكان ينبغي أن يكتب عنه كتابة الخبير المحيط بدقائق أنسابه وخفايا أخباره لا أن يخطئ في بديهيات وأساسيات يعرفها كل من قرأ الحسوة البيسانية مثلا أو يجالس الأكابر ممن لهم أبسط إلمام بالأنساب والتاريخ !.

1- قام المؤلف بالتعريف بكل مجموعة ذكرها في كتابه وذكر نسبها ' - ولو كان ذكرها إقحاما واستطرادا - ؛ لكنه تجاهل -عن عمد وقصد - هاشمية وجعفرية أولاد امبارك والمغافرة عموما ' مكتفيا بقوله وهو يسوغ لنفسه تلك السردية المتهافتة سردية القضاء وأنفة جده عن مصاهرة أبناء الأمراء أنهم "من عنصر معقلي عربي قح" وكأنه بذلك قد أتى بجديد ' وهذا -بغض النظر عما يضمره المؤلف - خطأ في المنهج يدل على أن المؤلف لم يسلم من "الٱيدلوجيا الذاتية" والٱيدلوجيا "المجتمعية" فهو لا يستسيغ أن يشاركه هؤلاء في النسب الهاشمي الشريف الذي أثبته لنفسه ولكل مجموعة له بها صلة ؛ ومن المؤسف جدا أن يكون دور الكاتب المؤرخ وخاصة إذا كان مفكرا هو العودة للأنساق المجتمعية وإسلام عقله طائعا "لأفكارها" مرددا طبقيتها المقيتة ومحاولا إحياء ما اندرس منها بطريقة موغلة في "الستطليب" وإخفاء الحقائق متخليا عن النهج الأكاديمي الذي كان يلزمه على الأقل أن يذكر الأقوال والخلاف الذي جرى في هذا النسب وما ذكره العلماء من صحة جعفريتهم ؛ ثم يكون له الحق بعد ذلك في نقد الأقوال وترجيح ما يراه هو من "عدم صحة جعفريتهم" إذا لأراح نفسه وخرج من العهدة وأخرج نفسه من "ورطة الروغان" ولكنه للأسف لم يمتلك الشجاعة للنفي الصريح فعمد إلى هذا الأسلوب التلميحي الخطير ؛ ولن يستطيع الدكتور أن يقول إن علم النسب لم يكن شاغلا لباله في هذا البحث ؛ لأن كلامه عن أسرته وعن أخواله وإرهاق القلم من أجل إثبات شرفهم أمر لا تخطئه عين القارئ الذي لا يقعقع له بالشنان ولا يكتب له "بالمداق" ؛ وحظ  أمراء أولاد امبارك في نظر الكاتب "المفكر" هو تقديس الشرفاء والنسب الهاشمي أما هم فلا حظ لهم فيه كما يفهم من فحوى كلامه الذي يؤكد عليه أكثر من مرة  ! 
  
2- حين يتحدث عن أهل محمد الزناقي يضطرب اضطرابا شديدا ؛ فمرة يحصر ذريته في مجموعة "فات " ويحصر فات أيضا وهم أولاد أم النون وأولاد بنت القصاص في ذرية بوسيف بن محمد الزناقي وحده دون ذراري إخوته ' وفي صفحة واحدة يخلط ويتناقض في هذا الأمر حيث يذكر كلام صاحب الحسوة وتفصيله في ذرية محمد الزناقي لكنه لا يلبث أن يعاوده الخطأ فيقول : (والاسم الجامع لأهل محمد الزناقي هو فاته انغل) ! ' أمام هذا الخلط والتناقض أتساءل هل كان الدكتور يتعمد إيراد المعلومات بهذه الطريقة "المختلطة" من أجل أن يصح له ما يريد ؟!؛ فما لم تنحصر ذرية محمد الزناقي المشكلة للإمارات الثلاث وجل الرئاسات الموجودة فإنه لن تستقيم له سردية (توارث القضاء) داخل "عموم السلطنة" وأحقيتها به بموجب (الشروط) القديمة! ' ذلك أن الأسرة الكريمة لم توجد خارج مجموعة فاته وحدها ! وهل كان الدكتور وهو يكتب هذا التناقض يستحضر أنه يعرض كتابته على "العقلاء" الذين لا يحتاجون لإعمال عقولهم ليكتشفوا هذه الأخطاء ؟!! 

3- ومن أخطائه في علم النسب إلحاقه لقبيلة الزبيرات الكريمة بأولاد امبارك حيث ذكر أنهم  بقوا في كيدي ماغا ؛ وهو إلحاق طارئ لم نعرف بعد هدف المؤلف منه ؛ لأن الزبيرات لم يدعوا يوما هذا النسب ولا يريدونه ؛ ولا ذكره أحد ممن تكلموا في الأنساب ' ومعلوم أن الراجح في نسبهم أنهم من أولاد عقبة الذين كانوا يحكمون الرقيبة قبل مقدم أولاد امبارك والسيطرة على المنطقة ؛ ثم إنهم لم يكونوا قط من ضمن المجموعات التي سكنت أولاد امبارك بعد تفكك مجموعات أولاد عقبة حتى ينتسبوا لهم من الناحية المجتمعية كما هو حال الجنابجة في ٱسكر أهل اللب ول بوسيف في أولاد لغويزي '، وحال أولاد مزوك في ٱسكر أهل بهدل ؛ ثم خلال حديثه عنهم يستطرد في ذكر مجموعة أهل مولاي الزين الكريمة متحدثا عن نسبهم وفروعهم وهو أمر خارج عن ماهية موضوع الكتاب لأنه لا رابطة تربطهم بأولاد امبارك لا اجتماعية ولا سياسية ولا جغرافية وإنما هو كلام يدخل في "حشو التأليف" لهدف "ذاتي ما".!

ب- أخطاء وأغلاط في المعلومات  ....

لا يمكن لأي دارس لتاريخ أولاد امبارك أن يحصي الأخطاء والأغلاط التي وقع فيها المؤلف ؛ والتي أشك أحيانا في بعضها أنها أخطاء بل يبدو أن المؤلف يتعمدها وأحيانا لا أصدق أن مثله يمكن أن يقع فيها .

1- ففي حديثه عن مراحل الوجود لم تتضح للمؤلف بشكل جلي ملامح هذه المراحل والأطوار ' ففي مرحلة وجودهم في الشمال يذكر أنهم (أزاحوا أولاد رزك) والحال أن أولاد رزك حكموا أرض القبلة ولم يحكموا الشمال ؛ ولكي نتأكد أن المعلومات قد اختلطت على المؤلف كثيرا فإنه حين يذكر وجودهم في أرض القبلة تختلط عنده الوقائع وأطرافها وتتداخل فيحصر "أكيرت وانتيتام" في بوتقة واحدة ويجعلها وقائع بين أولاد امبارك وخصومهم من أولاد الزناكية من المغافرة ؛ ولا شك أن هذا خطأ ' فانتيتام كان طرفاها هم (المغافرة بمن فيهم أولاد امبارك ) ضد (أولاد رزك) وحين قضى المغافرة على العدو المشترك تصارعوا على النفوذ فوقعت أكيرت بعدها بقليل رغم أن بعضهم يخطئ فيحدد فترها ب 1039 قبل انتيتام بسنة ؛ لكن المصادر تؤكد مشاركة أولاد امبارك بقيادة أديكه الاقرع في انتيتام .
ثم يربط هذه الوقائع بشرببه ليجعلها كلها سببا في انزياح أولاد امبارك من أرض القبلة ؛ والصحيح أن الانزياح تم بعد أكيرت ومقتل زعيمهم اديكه بن النبيقة ' وشاركوا في شرببه وهم في أرض تكانت والركيبه لأن العصبية المغفرية ظلت متماسكة ضد الأعداء الخارجيين يتحاربون من أجل النفوذ والسيطرة ' لكنهم يجتمعون لدرء الخطر المشترك كما حصل في شرببه ' وبعد ذلك في أم اعبانه و شار وغيرها.

2- وقع المؤلف في خلط وتناقض شديد حين ذكر أن مرحلة الشمال كانت الزعامة عند الجد محمد الزناقي ثم ورثها ابنه بوسيف ' وفي القبله كانت عند أديكه ويذكر في موضع ٱخر أن بوسيف بن محمد الزناقي قاد أولاد امبارك بعد مقتل اديكه  ! وفي هذا من التناقض ما فيه ' فكيف يرث زعامة أبيه ثم تكون في نفس الفترة عند غيره ؟ علما بأن الراجح أن بوسيف ولد محمد الزناقي وأخوته عاشوا في تكانت ووطدوا هناك قوتهم وبنوها ومهدوا للملك .

ويبقى السؤال المطروح هو : هل بوسيف أسن من إخوته هنون لعبيدي وبهدل وغيرهما أم هما أسن منه كما يوحي بذلك بعض الإشارات فالعرف قاض بزعامة الأسن ؟ وعلى أي شيء استند المؤلف مع أن تعليق ابن حامد على كلام شامبونو ليس فيه أي دليل لأنه لم يذكر غير اسم بوسيف من قادة حرب شرببه لكن ابن حامد قال إنه ابن محمد الزناقي تخمينا فقط . 
والصحيح أن زعامة أولاد امبارك قديما كانت موحدة  تحت قيادة أولاد لغويزي وبعد مقتل أديكه كانت القيادة العامة عند ابنه بوسيف ول أوديكه بن النبيقة بوقرن وهو الذي انزاح بهم إلى أرض الرقيبة وعند كامور بالتحديد وأول نص يذكر ذلك هو نص الذيب الحسني الكبير  الذي كان معاصرا لتلك الحقبة ؛ ولم يستطع المؤلف المفكر فهم طبيعة التحول في هذه المراحل وأنه لم تنته حرب شرببه إلا وقد أكملوا سيطرتهم على تلك الأراضي مزيحين دولة أولاد عقبة وكان ذلك بقيادة اللب بن بوسيف بن اديكه وهو أول "المغافرة تملكا لإسكران" كما يقول صاحب الحسوة ؛ وهذا لم يتم بتلك السرعة , وقد ظن الدكتور أن أولاد لغويزي كانوا مستقلين كليا عن أولاد أعمر ' لكن المؤشرات التاريخية توحي بأن الجميع في تلك المرحلة كان موحدا تحت قيادة واحدة ؛  إلى أن أخذ أهل بهدل الظهير من سلطان المغرب وحكموا "إسكران باغنة "  مزيحين دولة الرماة بقيادة الخاظير الرامي بعد معارك طويلة وعنيفة .
وحتى بعد أن ثبتت أقدام سلطنة أولاد امبارك في الحوض ظلت الصلات السياسية والعسكرية والعصبية الحربية قائمة بين أولاد لغويزي وأولاد أعمر (أولاد الفحفاح) ' إلى ٱخر عهد الدولة وظهور بوادر تفككها حيث كتب أولاد الغويزي رسالة إلى مجموعات أهل محمد الزناقي يدعونهم فيها إلى إحياء هذه العصبية والعودة إلى ما كانوا عليه من التناصر ضد عدوهم والذي ضعف بعد معركة (الصفية) ودعوهم إلى عقد اجتماع عام لذلك في أفله . 
ودلالة زعامة بوسيف ول اديكه في حقبة ما بعد أكيرت إلى حرب شرببه قول سدوم يذكر أخوال ممدوحه الإيدوعيشي :
بوسيف ول اديكه حسان.     شيخ كامل إلى التم 
وقد حدد العالم المؤرخ سيداتي ولد باب الأبييري تاريخ إزاحة أولاد امبارك بقيادة اللب بن بوسيف لأولاد عكبة وحكم كورارة "أي ملك اعل ولد دهموش" بسنة 1091 وكانوا قد أقاموا رئاستهم على أنقاض حكم الأنباط .
وهكذا نفهم أن تمالؤ لبراكنة والترارزة عليهم سبق شرببه بكثير وأنها لم تقم إلا بعد أن ثبتوا أقدامهم في تكانت والركيبة .

3- من أخطائه واختلاط الأوراق عنده في المعلومات واضطرابها أنه حين ذكر محطة وجود أولاد امبارك في الحوض جعل سبب ذلك هو الحرب مع إيدوعيش وأن انزياحهم كان تحت تأثير هذه الحروب ؛ وخاصة بعد حصار لحنيكات !
ولم ينتبه المؤلف المفكر حفظه الله إلى أن معركة كساري التي كرست الوجود لمباركي في الحوظ بالقضاء على رئاسة أبناء عمهم أولاد بوفايدة كانت بتحالف مع إيدوعيش وليست بسبب حربهم معهم وقد صالوا معهم واشتركوا معهم في القضاء على نفوذ أولاد داود محمد وبتحالف مع أولاد داود اعروك  ' وأنه بين كساري 1124 وبين لحنيكات 1192 قرابة سبعين سنة  !
هذا خلط واضح وتخليط

والمعلوم عند كل دارس للتاريخ أن أولاد امبارك حكموا الحوظ كله وأجزاء من مالي من طرف أولاد أعمر ول الفحفاح  وكذلك الركيبة وأحوازها من طرف أولاد لغويزي وبقي نفوذهم ممتدا إلى تكانت وكان الصراع مع إيدوعيش من أجل التخلص من هذا النفوذ حتى كان حصار لحنيكات وغيره من الوقائع .
هذا مع أن الوجود لمباركي في الحوض سبق معركة كساري وهو أمر لم ينتبه له المؤلف وتبع غيره فيه ؛ وقد ذكر أصحاب الحوليات أن مصطفى التاركي غزى الحوض بجيش  جرار وأفسد في الأرض إلى أن التقى بأولاد امبارك فهزموه ورجع متقهقرا وذلك في عام 1102 أي قبل كساري باثنين وعشرين سنة ' وهذا يؤكد أن الظهير على باغنة الذي أعطاه السلطان المغربي المولى إسماعيل سبق هذه الفترة وأن كساري وقعت وقد توطدت أركان الملك في السودان في باغنة وما يحاذيها من أرض الحوظ تحت قيادة هنون بن بهدل. مع أن المفكر شكك في رواية الظهير مع المشككين كابن السعد الذي لا يعترف أصلا بقيام إمارة في الحوظ ولا يعترف بأن أولاد امبارك أقاموا نظاما أميريا وإنما كانوا مشيخات متصارعة ؛ لكن المؤلف يفتأ يردد أقواله على طريق الإعجاب ' ولعله لا يدري أن ول السعد هو صاحب إنكار سلطنتهم وإماراتهم كما يفهم من مقطعه الصوتي الذي أرسله أخيرا حيث ذكر أن باب بن الشيخ سيدي هو الذي أنكر ذلك !!!
4- يكرر الكاتب الفرضية التي طرحها الناني ول الحسين في قضية انتقال السلطة وكيف وصلت لهنون بن بهدل بعد عمه هنون لعبيدي ؛ وهذا كله حاصل بسبب عدم فهم تركيبة النظام السياسي لأولاد امبارك فهما صحيحا ؛ لقد اعتمد أولاد امبارك نظاما فيدراليا وتكرس أكثر في الجيل الثاني والثالث وعرف كل حيز بألقاب عرفية ؛  وتوحي صفة (الملك ) التي يتصف بها أهل بهدل خاصة إلى أنهم كانوا مركز السلطة الكبرى فقد كانوا في كتب التاريخ قديما يوصفون بالملوك ؛ وأما قصر صفة السلطان عليهم فكانت عرفية يوصف بها أيضا غيرهم تجوزا ؛ مع أن المؤلف ذكر أن أولاد الغويزي لم يكونوا يوصفون بها ؛ وهذا خطأ ففي اتهيدينة "صهدات" وصف الأمير سيد احمد بن امحمد بأنه "اخيار اسلاطين أولاد الفحفاح"  
أما وصف (الشياخة العامة) فقد وصف بها حصرا أهل بوسيف ولد أحمد بن هنون لعبيدي الذي كان فيه بيت عامة أولاد امبارك كما يقول العلامة صالح ..
ولأهل الكاشوش القيادة العسكرية لجيوش الإمارات كلها إذا اجتمعت تحت قيادة أهل بوسيف ولد محمد الزناقي وخاصة في فترة الأمير سيد احمد للمختار (كوات لحلل في الصولة)

5-  ومن الأخطاء في المعلومات التاريخية ما وقع فيه مرارا من الخلط بين اعل الجد بن أعمر بن هنون واعل الحفيد بن أعمر بن اعل ' حيث ساير الرواية الشفهية التي تقول إن عهده هو أطول العهود وهذا خطأ ف"أطول ملوك أولاد امبارك مدة وأكثرهم عتادا وعدة"  هو اعل بن أعمر الجد كما صرح بذلك صالح في حسوته ' وهو أيضا الذي قيل فيه :
ول أعمر ما امعاه الواصه.   معط مولانا عارف اطريكو
وليس في الحفيد كما توهم المؤلف .
وهو كذلك الذي وضع تلك الغرامات التي سارت عليها السلطنة والتي منها "غرامة الخنط" التي لقب بسببها اعل بوسروال ' وهو الملقب أيضا باعل العافية ' كل هذه الألقاب للجد وليست للحفيد وقد أخطأ في عزوها للناني ولد الحسين والناني إنما ذكرها كلها لاعل ول أعمر ول هنون الذي نضجت معه تجربة الملك ووضع كثيرا من أسس امتداده   .

6- ويخلط الدكتور بين محمد ٱماش وأخيه أعل أيضا فيذكر أن أبناء عثمان بن ابيبكر خرجوا على اعل ول أعمر وليس ذلك صحيحا ' وإنما خرجوا على محمد اماش فأوقع بهم في كائنة اشلم سنة 1224 وتفرد بالحكم .. ويذكر المؤلف خطأ أن محمد ٱماش لم تطل مدته وأن اعل بعده طال عهده ' وهذه رواية لم ينقحها المفكر كثيرا ' فعهد اعل ليس أطول من عهد ٱماش ؛ فقد تسلم الملك بعد تغلبه على أبناء عمه 1224 واستمر إلى أن توفي سنة 1237 '  فمدة ملكه إذا هي 13 سنة. بينما حكم بعده اعل من سنة وفاته إلى سنة 1244 ففترته 7 سنوات فقط ' وكان يتوقع من الدكتور أن يكون على علم بهذا من خلال المراجع لا أن يتكئ على الرواية ويعتمدها 

7- يريد الدكتور -فيما يبدو- أن يشارك في تلك الصراعات التي فاتته فيحاول النيل من السلطانين ٱماش وخطري ويتحامل عليهما  واصفا إياهما بالجنون ' وأن خطري صاحب حروب جنونية ؛ وأنه السبب في تصدع لحمة أولاد امبارك ' وإني لست مدافعا هنا عن خطري ولا غيره بقدر ما أدافع عن الحقيقة والمنهج في الكتابة والموضوعية ؛ وهنا أسأل الدكتور -إن كان على دراية بتاريخ الإمارات لمباركية- هل هو على علم بأن الصراعات الداخلية حصلت في كيانات الدولة قبل ولادة خطري وأن صراع أولاد العالية وأولاد عيشة سبقه في يوم وسط وغيره واستمر إلى النهاية وأن حروبه هي امتداد لما سبقه؟ !
هذا مع أن من يصفهم بالجنون ويورد خرافة قصر ٱماش في خيمة واتخاذ مرابط يرقيه كان أهل الحوظ العقلاء جميعا يقدرونهم ويصفونهم بالتدين والعدالة ؛ فإسراف ٱماش في الدماء متعلق بإرساء الحكم وليس متعلقا بالرعية فقد كان (محمود السيرة حسن السريرة ) على حد وصف الخليفة الكنتي له   .
وأما خطري فمن يحاول النيل منه تكفيه المحاولة لجعله أضحوكة البلاد !
وما أجمل جواب معاوية بن يزيد للحجاج حين ذكره له العداوة بين الأمويين والزبيريين قال له : (إنما هي قريش تتقاتل من أجل الملك فإذا انتهت عادت إلى أحلامها) !
وأرجو أن تصل الرسالة إلى راحة الدكتور الفاضل .

8- يذكر المؤلف أن التنازع كان قائما بين أهل بهدل وفات وأنه ظل مستمرا ؛ وهذا في غاية البطلان فحادثة اعل بوزكرارة في منازعته لاعمر بن هنون تدخل في الصراع على الملك وهو يدل فيما يدل على أن باغنة كانت مركز السلطة ' ولا يدل على النزاع على مستوى الفروع من أجل تقاسم النفوذ ولم يقع هذا التنافس الدائم الذي ذكره المفكر بعد هذه الحادثة وهي تدخل في التنافس بين زعيمين داخل كيان واحد  !

9- ومن تخليطاته الفاحشة قوله إن خطري نفى أهل هنون لعبيدي وخاصة أولاد العالية وإنما كان ذلك من تداعيات الخلاف الداخلي بين أهل هنون لعبيدي "أولاد عيشة وأولاد العالية" فهاجر أولاد العالية إلى أهل بهدل وتوغلوا في أرض كارطه ومن الأعراف المعهودة أن أهل أعمر ول هنون في باغنه  هم المكان الذي يؤخذ فيه اللجوء السياسي فمن دخل هناك أمن الملاحقة ؛ فقاموا بمناصرتهم من باب حفظ الجوار ؛ وليست الخؤولة وحدها هي الدافع لتدخل ٱماش لصالح أولاد العالية في معركة "وصط" التي مثلت أكبر منعرج سياسي وعسكري داخل كيان الدولة لمباركية كما درج عليه كثير من الباحثين ' فالعلائق الدموية قد تكون مرجحة لكنها ليست سببا وحيدا .
وقتلنا لك ابن أبيك   والملك عقيم مقطع الأسباب

10- ذكر الدكتور أن انتقال السلطة في إمارة أهل هنون لعبيدي كان بانقلاب من أولاد بوسيف بن أحمد على الأمير بوسيف ولد هنون لعبيدي الذي ورث الإمارة عن أبيه ' والحاصل أن بوسيف لم يقع ضده أي انقلاب بل ظل أميرا حتى توفي وهو كبير أولاد العالية فخلفه أخوه عثمان ولد هنون لعبيدي المعروف  ب(الراجل) من أولاد عيشة ثم خلفه شقيقه بكار بن هنون لعبيدي ؛ ويخطئ البعض فيظن أنه هاجر وترك السلطة وهذا ليس صحيحا بل ظل أميرا حتى توفي سنة 1195 عندها حصل انتقال من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث فانتقلت إلى ابني بوسيف ول أحمد ول هنون لعبيدي عثمان وبوسيف ؛ وهاجر أبناء محمد بن بكار حين انحرفت عنهم الإمارة ؛ وبقيت في ذرية أهل بوسيف ول أحمد إلى الٱن  .

ج. -*أخطاء ثقافية

وهذا الحقل لم يسلم هو الٱخر من أخطاء كبيرة وهنات وأغلاط تقترب أحيانا من الإساءة والتجني من ذلك  .

1- الأمراء والسلاطين في نظر المؤلف هم  "عامة" لا يعرفون من الفقه إلا ما سمعوا من رجال أسرة القضاء كحال اعل بن المختار الصغير الذي جعله هو حفيدا له ؛ فلم نجده يعرج على تدين الأمراء بل هم فقط يحبون "رجال الدين" ويقدسونهم ' ولا يلفت انتباهه ما تعج به نصوص المدح من وصفهم بالتدين كثيرا ' ووصف بعضهم بالفتوة التي لا تقف عند حد احترام العلم بل بالمشاركة فيه من تلاوة القرٱن ومعرفة النصوص والشروح كمدح امحمد بن سيد احمد رئيس أولاد العالية :
الاخضري لاحكامو اتكرر.    ومستفتي افبومحمد 
والسنوسي والمختصر.       واتبات للدليل تقبد
ومدح الأمير سيد احمد ول امحمد :
الاكثر في فمو الاستغفار.   صلاي وصوام وسباح 
وحاكم فمو ماه فرفار.     وايجاوب باكلام الشراح 
لكن المؤلف يكتفي فقط بالاستدلال بأن هذا الجو الثقافي دليل على أن "القضاة"  كانوا يحكمون بالفقه المالكي !

2- وحين يتحدث عن ظاهرة "سر الحرف" يقسمه تقسيما عجيبا ' فبعضه حلال لأن رجالا يوصفون بالفضل يستخدمونه ؛ وبعضه حرام لأنه يستخدمه السودان .. ومما لا شك فيه أن مجال الاستخدام متقارب جدا بما في ذلك الإضرار بمن يخالفهم حتى ولو كان غير ظالم !

3- وفي سرديات الأدب والفن وقع المؤلف في أخطاء شديدة لم يراع فيها قاعدة "إمكان الوقوع" مثال ذلك (سردية تفرق زينه) لسدوم ول انجرتو في مدح الأمير هنون ول بوسيف ' حيث يربطها بقصة نبوغه وسردية (نص لحريش) في فرس الأمير حيث ذكر أن الممدوح به كان الأمير هنون ؛ وهذا لا يمكن أن يتأتى من الناحية التاريخية ' فقصة نبوغه سابقة على مدحه لأمير أولاد لغويزي سيد احمد بن امحمد ورثائه له وسيد أحمد توفي قبل حصار لحنيكات 1192 وكان سدوم قد استقر في حلة إيدوعيش قبله بعدة سنوات ؛ فلا يمكن أن يكون -والحال هذه- أن يكون نبوغ سدوم ورحيله عن ربوع دولة أولاد امبارك في زمن هنون بن بوسيف بل ربما يكون -على أقل تقدير- متزامنا مع ولادته ؛ والراجح من خلال طريق المقارنة أن يكون ذلك حصل في زمن الأمير عثمان بن هنون لعبيدي وهو الذي يتسق مع الإمكان والمطابقة الزمنية للحدث .
وأما تفرق زينة فهي متأخرة جدا في الزمن وقد قالها في أواخر حياته .
-أما الخطأ في عزو النصوص لأصحابها فهو كثير في الكتاب .
من ذلك نسبة شاهد (ٱوديد) لهنون بن أحمد بن بكار شيخ لعبيدات ' بدل نسبته لهنون بن سيد احمد بن بوسيف رئيس أولاد العالية ' وهو الصحيح بدليل التوقيع بالأب الذي يحمله الشاهد ' وليت شعري كيف غفل الدكتور المفكر عن ذلك ؟! :

اخليفت زيان المرحان    (سيد احمد ) ليان الظمان
عافا هنون ....

4- ينسب اتهيدينة الجرح التي مدح بها عثمان ول بوسيف ول أحمد إلى دردلي والصحيح أنها لعبد الله الظباح وليس الممدوح عثمان بن هنون بن بوسيف كما توهم ويتصل بذلك نسبة فرس الرزامة المذكورة في نفس التهيدينة فهي فرس بوسيف بن أحمد وأقرب من يرثها منه ابنه المباشر لا حفيده .
كما أن أم اعكال هي فرس عثمان "القصاص" بن اعمر بن هنون امبهدل ؛ والمزوزة فرس اعل الشيخ بن هنون بن بهدل .
وفي أم اعكال والرزامه عزف شور التحزام وافزوع أم اعكال ومشي الرزامه.
ولشيوعها قال ابن امبوجه :
عكس الذي قال في الرزامه شاعرهم.   لم تعرقي  قط في إثر الطلابين.  
وقد كان حريا بالمؤلف أن يورد سردية "التحزام" والرزامة وأم اعكال ' فهي من أشهر القصص . 

5- من الملاحظات الأدبية أن المؤلف في في كلامه على (ذاكرة الفن)  لم يستخدم المصطلحات التراثية "الزمنية" وهو يتناول الموضوع ؛ فكان عليه أن يسمي الفنانين كما يسمون أنفسهم (الشعار = الشعراء ومفرده شاعر ؛ والشعرة) كما تشهد بذلك مدونتهم التي تركوها وهي ألفاظ عربية صحيحة وتضفي الخصوصية على هذا الصنف الأدبي الخاص ؛ كما أن إطلاق لفظ (أزوان) أولى من تسميته ب(الموسيقى) لأننا نتحدث عن تراث محلي عتيق محفوف بأبهة التاريخ نريد بعثه وإحياءه وليس قتله بقاموس جديد معاصر بدافع "حب الترقي" على لغة الراحل ول عوه رحمه الله  .

6- تحدث عن علاقة أولاد امبارك بأزوان وأرجعها إلى إنشاء السلطنة في الحوض ؛ وهي فترة متأخرة جدا لا تتسق مع محاولته لإبراز التأثر والتأثير في "أزوان" بين الموسيقى الأندلسية والإفريقية ؛ فالظاهر أن علاقة أولاد امبارك بالشعار كانت قديمة جدا ؛ لكن مرحلة الحوظ مثلت مرحلة الاستقرار السياسي والاقتصادي ؛ والاكتمال والنضج بالنسبة "للفن" بأصنافه فكانت مرحلة الشيوع والانتشار في الربوع الأخرى.

7- ذكر المؤلف اتهيدينة أطلق عليها "تركة بنيوك" وذكر أنها في أولاد لغويزي ؛ ولا علم لي بمجموعة اغويزية يطلق عليها هذا الاسم !
وإنما يوجد بنيوك في أولاد أعمر ول الفحفاح ' 

8-  لم يعز المؤلف هذا النص لصاحبه وهو الأديب سيدي عبد الله ولد الشيخ المهدي : 
شاكي سنييمه للجليل.   سابك ما عاد الليل اثقيل
بينما  ينتزع منه طلعته الأخرى التي يخاطب فيها القظفة منت بوب جدو أو منت دندني  ويعطيها لجده القاضي الإمام بن سيد احمد بن ناصر رحم الله الجميع :
غيدات الشعره كاملين.    وحده منهم برامه
ما تخبط واياك ٱردين.    ما دارت فيك اعلامه
والمتأمل في هذه الطلعة -رغم شيوع نسبتها لسيدي عبد الله- سيدرك بسهولة نسبتها له لما تحمله من "طابعه الخاص" في "اطلع الفتح" التي كان هو مجدد عافيات رسومها ومحيي ميت رميمها ؛ وسوف يلاحظ أن بينها نسبا مع باقي "اطلع الفتح" التي أعطت للشيخ سيدي عبد الله الريادة في هذا الصنف بلا منازع ؛ وفيها أيضا "دم" طلعته الذائعة في مولاي إسماعيل ول اباشه بمناسبة إحيائه لشور "قوراس" :
تخبط قوراس ابلا انزاع.   جبتو واتجيب اجناسو

شاعر غيرك في الحك كاع.   رابط راصي قوراسو
     
 ومحل التشابه بين النصين ووجود طابع الشيخ فيهما هو قوله للقظفة :
أما لكلاب ابلا اعتيك.     عند لغيرك ذمامه
وقوله لمولاي إسماعيل 
تخبط لكلاب ابلا اعتيك..

ختاما :

هذه مجرد ملاحظات يسيرة انتقيتها من كثير من الملاحظات سجلتها وأنا أتصفح الكتاب ' ولم أشأ أن أتحدث عنه قبل إكماله ؛ ولا أن أكتب عنه كتابة من لم يحط بفصوله خبرا ؛ وإلا فالأخطاء أكثر والأغلاط أكبر جعلتها في سجل لوقت الحاجة ؛ وإن الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هي أن هذا الكتاب لا يستحق وصف "البحث الجاد" في حقل التاريخ فهو ينظر لمنهج وفي الممارسة يكون أول هادم له ' وينسج قاعدة ويكون أول ناقض لها ' وإن الكتابة من منطلق "ٱيدولوجي " تمثلت أكثر في هذا البحث ' فقد اتخذ هذا العنوان الكبير والجذاب لكي يوصل من خلاله "رسائله الخاصة" ؛ أضف إلى ذلك عدم السيطرة على المعلومة حيث يوردها أشلاء متناثرة يفرق ما كان مؤتلفا منها ولم يستطع لملمة ما تفرق ' بل بقيت الحقيقة عن قلمه نافرة شاردة  ولم تشأ أن تكون لمنهله واردة .
هذا رغم أن في أطواء الكتاب بعض الكلمات الذهبية التي يحق لنا أن نجعلها مسك ختام منها قوله : (فالمجد يدافع عن نفسه ؛ وعظمته تكمن في الخلود الذاتي) ..
وإن مصادرة هذا الكتاب ومنع نشره فيها خير كثير للمؤلف أولا فهو المستفيد الأول حتى لا تشيع أغلاطه ؛ وستستفيد منه الحقيقة والتاريخ والموضوعية التي ارتكبت في حقها جناية أدبية كبيرة لن تصيب البواء إلا بسحب هذه الحروف عن الأنظار .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون