من “التسيال” إلى “لعب الدبوس”: ظواهر لغوية في الألعاب الشعبية.. في الثقافة الحسانية

بقلم: الشريف محمد يحي

أحواض التزحلق على الرّمل وعِصِيّ المبارَزة الخشبيّة!
..في اللهجة الحسانية ظاهرة لغوية تتمثّل في اختلاف التسميات تبعا لاختلاف زاوية التركيز.. ومِن أمثلة ذلك التسميّة الشعبيّة التي تطلَق على لعبة التزحلق على الكثبان المبتلّة مِن أثر المطر، تلك اللعبة الطفوليّة التي يُقبِل عليها الصّبيان في موسم الخريف (ولا سيما بالبادية)، فيتسنّمون أعاليَّ الأحقاف وهم يحملون أحواضَ التزحلق المستقطعةَ مِن القناني الكبيرةِ المصنوعةِ مِن البلاستيك المقوَّى المستخدمةِ لِتخزين الميّاه.
 ففي بعض مناطق البلاد تسمّى لعبة "اركوب لحياظ"؛ باعتبار أنّ لوح التزحلق المستعملَ فيها عبارة عن حوض "حوظ" يَهْوي باللاعب من رأس الحِقْف "الغرد" إلى سفحه.. وتسمّى في مناطقَ أخرى "التسيال"، باعتبار الطريقة التي تؤدّى بها عملية الانحدار؛ لأنّ أداةَ التزحلق "تسيل" - أي تزِلُّ بالمتنزِّل - مِن أعلى إلى أسفل.. ومعلوم أنّه "لا مشاحّة في الاصطلاح".. لكنّ معرفةَ السّبَب تُبطِل العَجَب، ولكلتا التسميّتين حظُّ وجاهةٍ بيِّن، ووجه اشتقاق سائغ..
..وقريب مِن فارق التسميّة هذا اختلاف الناس في تسمية لعبة المبارزة بالعصيّ؛ إذ يسميّها بعضُهم "أَنَيْگور" ويَدعوها آخَرون "لعْبْ الدَّبّوس"، ولعلّ لفظة "أنَيْگور" مأخوذة مِن النَّقْر، وتحويل القاف الفصيحةِ جيما مصريةً شائعٌ في الحسّانيّة، ومنه الفعل "انْگر" الذي هو المعادل اللهجيّ للفعل الفصيح "انقُر"، وعليه يكون مصطلح "أنَيْگور" مأخوذًا من وَقع التقاء العصيِّ الذي يرافقه صوت ناشئ مِن نقرِ المبارِزِ بعصاه على عصا خصمِه، ومِن وجوه استخدام العصا - في اللهجة الحسّانية - "انّْگِير"، أي: النَّقْر !
وأمّا عبارة "لعْبْ الدّبّوس" فهي أقرب - عندي - للشّرح التقريبيّ، شأنُها شأن عبارة "اركوبْ لَحْياظ"، وهي تتكوّن مِن مفردتين مِن صحيح الحسّانية:
 "لعْبْ": وهي النّطق اللهجيّ للفظة "لَعِب" (والحديث هنا عن نوع مِن "الألعاب الشعبيّة").
 و"الدّبّوس": وهي كلمة مِن دخيل العربية (فارسيّة معرَّبة) تَحمل نفسَ الدّلالة اللهجيّة.. وفوق هذا التأثيل اللغوي تأصيل أدبيّ، فقد ورد "اللعب بالدّبوس" في شعر المولَّدين (العصر العبّاسي)، ومِن ذلك بيت منسوب لبشّار بن بُرد - يهجو الخليفة المهديّ - محلّ الشاهد فيه قوله:
"يَلعب بالدّبّوس" والصّوْلجانِ!
ولعلّ اللعب بالدّبّوس الواردَ في الشّطر غيرُ المبارَزة الخَشبيّة المعروفة في الثقافة الحسّانيّة؛ إذ الدّبابيس أنواع، منها الخشبيُّ التقليدي، ومنها الحديديُّ الذي في رأسه قطعة تشبه الكُرة، لكنّ العبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص الحالة.. فمن شاء فلْيَقلْ: "أنيگور" و"اركوب لَحياظْ"، ومَن شاء فلْيقُل: "لعْبْ الدّبّوس" و"التّسْيال" كلُّ ذلك واسِع، تعدّدت التسميّات والمسمّى واحد، وكلٌّ له مستعمِلٌ مستمسِك، ووجْهُ اشتقاق وجيه!