اشريف محمد يحيى
..على جدول الدوام اليومي كانت تحية العلم الوطني - ووقفة النشيد الوطني - تسليمة صباحية ثابتة، وموعدا لا تخلفه الإدارة ولا التلاميذ..
..وعلى متن النشاط السنوي كان "العرض" نشاطا موسميا معلوما وفعالية جماهيرية مشهودة، تتنافس فيها المدارس الابتدائية..
..كل أولئك في المدرسة النظامية الأمّ: ابتدائية القدس، في حي بوحديدة بتوجنين من مدينة نواكشوط؛ حيث عشتُ عقدةَ "السنة الأولىٰ" كما عاشها أخي الذي هو أكبر مني سنا وأسبق انتظاما.. وكم كانت فرحة الأخير - وزملائِه - غامرةً حين أطل عليهم(وهم في السنة2) تلميذ من القسم المجاوِر فقال لهم - ساخرا شامتا: السلام عليكم يا أهل "سَپَّ انَّپَّ"!.. فتنفّسوا الصعداء وشَمخوا بأُنوفهم في ثقة وفخر، ثم قالوا بصوت واحد: "نحن اصَّ سنة ثانية"!
.. وعلى ذِكر الصوت الواحد كان "الكورال" حاضرا في برنامج تدريسنا الذي كان يعتمد الطريقة "التلقينية"؛ فكنا نشدو ونردّد وراء المعلّم، فلا نكاد نفرّقُ بين تأدية النشيد الحماسي وقراءة الحديث النبوي!.. وما زال في أذني صدىٰ ترجيعنا: "عن أبي هريرة،/ رضي الله عنهُ،/ قال،/ قال رسول اللهِ،/ صلّى الله عليهِ،/ وسلَّمَ..."؛ ولكأنّي أسمع الآن تلك "الفواصل" وذلك "التقطيع" الذي كنّا نقلّد به صوت "سيّدتنا" المعلّمة المخضرمة الراحلة <الدَّيْلَة>، التي أَقرأَتْ جيلا قبلي [فيما بلغني] وجِيلًا بعدي [وفق ما علمت]، فظل صوتها المألوف ودوِي "كوراله" المتغيّرِ يخترق جِدار الابتدائية العتيقة بالبقعة القديمة من حيّ بوحديدة العريق، إلى أن انقطع فجأة وغاب، فطفق لساني يلهج بصالح الدعاء لها؛ أنْ: ربّ ارحمها كما علّمَتني صغيرا🤲🏻!..
.. أُديرت أكؤس سنوات الابتدائية الستّ، ونحن نرفع هٰذاك العلَم ونردّد ذيّاك النشيد مفتَتحا ومنصرَفا.. ومع الرّمزين الوطنيّينِ
(القديمين) عرفت مدرستنا (القديمة) أناشيد موسمية كانت لها أسبابُ وضعٍ ومناسبات ترديد، فقد كان الوالد - رحمه الله - يمدّني وأخي بالنصوصِ الشعرية ذاتِ الوقع الموسيقي المناسب والتفعيلة الغنائية المطلوبة، ويزوّدنا بمفاتيح الشرح المساعدة، وكان معلّمنا المتدرّب (يومئذ) يعقوب حمّود - حفظه الله وجزاه صالحة - يؤلّف لنا الحركات التفاعلية ويأطِرُنا على مُماشاة السَّنَن الإيقاعي أَطرًا؛ فكان يترجم لنا مفردات النّصّ بلغة الجسد، ودلالة الإشارة، ويوجّهنا إلىٰ ضوابط الانسجام وأحكام التناغم حتّىٰ كأنّنا "فرقة🥁كشّافة" على "مسرح🎺استعراض"!.. وكانت إدارة المدرسة تحفظ لي ولأخي تلك المبادرة باختيار كلّ واحد منّا عريفا على الفرقة🎼الإنشادية التي يُعهد إليها بأداء كلمات النشيد الذي جاء به، ثمّ تذكي بين الفرقتين روح التنافس أيّهما تملأ ساحة المدرسة صداحا وتشنف آذان الحضور حُداء، حتىٰ إذا بلغت منّا الجهدَ أرسلَتنا، ثم دمجتنا في فرقة واحدة من صفّين في كل صفّ صفوة مغرّدي الفرقتين، بعد خوض تصفيات "داخلية" ضمن بطولة قسمية، تحدّد ممثلي المدرسة في بطولة "خارجية".. حتىٰ إذا طُويت المنافسات المؤهّلة اقتحمت بنا مدرسة القدسِ غمار "العرض" الذي تنتخِب له كلّ مدرسة فريقا إنشاديا من مهرة الأشبال المغرّدين الذين يَخرج عليهم سهم🎯الدَّور عند إلقاء أقلام القرعة ومن "أبكاهُ😭عودُه" يسكته وكيله - عادة - بإحضارِه معه لِيشهد الحفل على المنصة الرسمية، قبل أن يشاهد👀 إعادته على شاشة📺التلفزيون الرسمي!
ذكريات مدرسية (خواطر من وحي ذكرى اليوم العالمي للمعلم)
